جرائم عام 2024 بين السياسي والعائليّ
كتبت ماريان زوين في نداء الوطن : عندما تُذكر كلمة “قتل” في سياق أبرز حوادث عام 2024 في لبنان، يتبادر إلى ذهن القارئ كل حوادث الحرب الدامية في هذا العام. ومن المؤكد أنّ اغتيال إسرائيل شخصيات سياسية وعسكريّة في “حزب الله”، هو أبرز ما سطّره العام، لكن بالتوازي مع الميدان العسكري الملتهب، شهدت السّاحة اللبنانية جرائمَ قتل بالمعنى الجنائي للكلمة؛ ومنها ما اتّخذ طابعاً سياسياً وأخرى كانت لأسباب اجتماعية أو اقتصاديّة.
مقتل سليمان… اغتيال سياسي، لم يُثبت عكسه بعد!
عام 2024 ليس العام الأكثر دمويّة في السنوات العشر الأخيرة، لناحية عدد جرائم القتل الجنائيّة، لكنه العام الذي شهد واحدة من أكثر الجرائم إثارة للجدل في الذاكرة الوطنيّة. انه مقتل باسكال سليمان، منسّق “القوات اللبنانية” في جبيل، والذي قال حزب “القوات” إنه اغتيل لأسباب سياسية حتّى إثبات العكس، ما أعاد إلى أذهان اللبنانيين مشاهد خطف واغتيال أحد أبرز كوادر “القوات” في زمن الاحتلال السوري للبنان رمزي عيراني. وأثارت قضيّة سليمان منذ لحظة الخطف، إلى العثور على جثّته في الأراضي السّورية بعد يوم، وحتّى يوم جنازته، اهتمام الرأي العام اللبناني ولا تزال. خصوصاً أنّ استهداف مسؤول في “القوّات” لم يكن الوحيد في الفترة الأخيرة، فقبل عام كان اغتيال المسؤول القوّاتي “الياس الحصروني” المعروف بـ “الحنتوش” في رميش. وحاول مرتكبو هذه الجريمة أن يزعموا أن سبب موته هو “حادث سير”. لكن مخطّطهم افتضحته في ما بعد كاميرات المراقبة. وأثار عدم وصول القضاء الذي تهيمن على غالبيّة أقسامه ميليشيات “الدويلة”، الشكوك حول الهويّة السياسيّة للمجرم.
لقد بقيت الشكوك حول مقتل سليمان حتى اليوم واسعة، ولم يسلّم جميع اللبنانيين بموضوع “السّرقة” على أنّه الدافع الأبعد والأعمق للجريمة، خصوصاً بعدما تبيّن تورّط سوريين في القضية، وفق التحقيقات الأولية، والذين لم تسلّمهم السلطات الأمنيّة السّورية السابقة التي كانت خاضعة لنظام “الأسد”… والجناة معروفون بأنهم أصدقاء الأسد في لبنان!
لم يكن سليمان القواتي الوحيد الذي ودعته “القوات” عام 2024 بسبب جريمة قتل: رولان المر، رئيس مركز القوات اللبنانية في كرم الزيتون، قتل برصاص أحد أفراد “جنود الرب” في الأشرفية بعدما كان يحاول أن يصلح إشكالاً حصل على خلفية أحقية مرور.
قتل بداعي السّرقة أبطالها أجانب
إلى جانب جرائم القتل التي اتّخذت طابعاً سياسياً، شهد عام 2024 سلسلة من الجرائم كان أبطالها سوريين بداعي السّرقة، وأبرزها جريمة هزّت الأشرفيّة بعدما قُتل مسن في منزله عقب تعرضه للضرب المبرح على يد لصّين سوريين ساعدتهما العاملة المنزلية السورية في سرقة الأموال والمجوهرات، قبل أن يلوذا بالفرار. أمّا في عجلتون فكانت المرتكبة هذه المرّة عاملة منزليّة كاميرونيّة والتي أقدمت على قتل مخدومتها جوسلين الزغبي، البالغة من العمر 41 عاماً، عبر طعنها وخنقها بشريط بلاستيكي، في جريمة أثارت صدمة واسعة في المجتمع اللبناني.
جرائم عائليّة
ككلّ عام، لم تخلُ الساحة من الجرائم العائليّة ذات الأسباب الاجتماعيّة والاقتصاديّة، يُذكر منها جريمة بشتفين، حيث أقدم المقدم مجدي فياض على قتل والدة زوجته وإصابة والدها، قبل أن يطلق النار على نفسه إثر خلاف عائلي. وفي المية والمية، أثار قتل جورج جرجورة زوجته وقطع جثتها إلى ثلاث قطع ودفنها، الجدل والصّدمة. وفي وادي الجاموس، انتهى خلاف على الميراث بإقدام أحد أفراد عائلة شيبوب على قتل عمه زياد. أمّا في يحمر، فقتل محسن موسى زوجته ببندقية صيد قبل أن ينتحر، تاركاً وراءه أربعة أطفال يتامى. وآخر تلك الجرائم البارزة كانت مقتل الإعلامية عبير الرحال داخل المحكمة الشرعية في شحيم، حيث أقدم زوجها على إطلاق النار عليها أمام المحكمة قبل أن ينتحر.
الجرائم بالأرقام: العودة إلى معدلات مرتفعة
بحسب محمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، سجّل لبنان حتى نهاية تشرين الثاني 2024 نحو 142 جريمة قتل جنائية، ومن المتوقع أن يكون لامس العدد الـ 160 مع نهاية كانون الأوّل من العام الجاري. هذه الأرقام تعكس ارتفاعاً بسيطاً مقارنة بالعام الماضي حينما سجلت البلاد 152 جريمة. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ عدّاد الجرائم عاد إلى نمط الارتفاع إذا قارنّا تحوّلاته في السنوات العشر الأخيرة. فعلى سبيل المثال، انخفضت الجرائم من 154 عام 2015 إلى نحو 100 جريمة قتل عام 2018 ثمّ عادت لترتفع منذ ذاك العام إلى أن لامست الـ 190 جريمة عام 2021.
وتسلّط الأرقام الضوء على نمط متكرر: انخفاض موّقت، يتبعه ارتفاع أكبر. والخاتمة مكرّرة أيضاً وسنبقى نكرّرها… صحيح أنّ الجرائم تحصل في كل بقاع الأرض، لكن هذه ليست حجّة للمؤتمنين على الأمن والعدالة ليبرّروا أعداد الجرائم ويتفاخروا دائماً بهذه الجملة المعتادة “نسبةً لوضع لبنان الاقتصادي والسياسي… بعدو البلد بألف خير أمنياً!” سئمنا “الترقيع” وتبدأ الجمل دائماً بعبارة “بالرغم من كل شي”. لكننا نريد وطناً يُحاسب فيه من يقتل، ويكون عبرة لمن اعتبر، وأمنيتنا للعام الجديد هي أن تتحّقق فرصة بناء الدّولة المتاحة اليوم، وأن نصل إلى اليوم الذي نكتب فيه مقالًا بعنوان “هون ما بتسمع بضربة كفّ حتّى… في دولة، ما حدا بيسترجي!”