تحذيرات غربية من الحرب الشرسة: الدولة مستهدفة أيضاً
تتجه الأنظار إلى جنوب لبنان، حيث مرّ أكثر من شهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. الأجواء هناك تبدو ملبّدة إذ لا شيء يدل على تطبيق الاتفاق، تجاوزات بالجملة، والقطب المخفية تتحكم بتطبيق بنود الاتفاق
يواجه الشعب اللبناني بشكل عام، وبيئة “الثنائي الشيعي” وأهل القرى الحدودية بشكل خاص عملية خداع. الدولة اللبنانية ممثلة برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي و”الثنائي الشيعي” لا يفصحان على مضمون الاتفاق الذي وقعا عليه باسم لبنان وبتفويض من “حزب الله”. وإذا كانت إسرائيل تتمادى بخروقاتها في الجنوب والبقاع، بات معروفاً أن الاتفاق الجانبي بين إسرائيل والولايات المتحدة والذي وافق عليه “حزب الله” والحكومة اللبنانية، ينص على السماح للجيش الإسرائيلي بحريّة الحركة. وبالتالي شرّع “الحزب” عبر الحكومة الموالية له كل التجاوزات والأطماع الإسرائيلية.
الهدنة غير الحاصلة
أصوات الانفجارات المتتالية من الناقورة إلى عيتا الشعب وصولاً إلى كفركلا والعديسة وربّ الثلاثين وبقية بلدات جنوب الليطاني، دليل على حال الشريط الحدودي واستمرار الحرب من جانب إسرائيل. فالجيش الإسرائيلي يمعن في تحويل تلك البلدات إلى ركام، و”حزب الله” يخشىى الردّ، يكتفي بصلية إعلامية عبر المنابر، ويدرك أن أي مواجهة جديدة ستدمّر ما تبقى من “الحزب” والبيئة الحاضنة.
لم يستطع سكان القرى المتقدّمة في جنوب الليطاني من العودة إلى بلداتهم رغم إعلان “حزب الله” الانتصار، الإسرائيلي يمنعهم أولاً، وباتت تلك البلدات غير قابلة للحياة، وكذلك هناك فئة كبيرة من الجنوبيين ترفض العودة والمباشرة بالإعمار بسبب الخوف من تجدّد الحرب، وعدم توفر أموال لإعادة الإعمار. عكس وعود “الحزب” بداية الحرب.
تحذيرات غربية
علمت “نداء الوطن” بلقاء سفراء غربيين، مسؤولين لبنانيين وتحذيرهم من تجدّد الحرب. يعتقد بعض السفراء أن إسرائيل تخرق الاتفاقية، والجانب اللبناني لا يقوم بأي عمل يوحي بجديّة في تطبيق القرارات الدولية. ينتقدون في مجالسهم محاولة ميقاتي والرئيس نبيه برّي و”حزب الله” التذاكي على الاتفاق وادعائهم أنه يشمل جنوب الليطاني وليس شماله وكل لبنان. والأخطر حسب تحذيرات السفراء أن إسرائيل هذه المرّة لن ترحم مؤسسات الدولة اللبنانية، وبالتالي فإن محاولة التذاكي والالتفاف على الاتفاق ستؤدّي إلى تدمير الدولة أيضاً.
شهدت الأيام الأخيرة محاولة “حزب الله” استعادة بعض من قوته. هرّب السلاح إلى لبنان من سوريا عقب انهيار نظام الأسد. ما دفع بإسرائيل إلى استهداف مستودعات السلاح في البقاع للمرة الأولى بعد توقيع وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى المعابر الحدودية في قوسايا والتي كان يستعملها “الحزب” لتهريب الأسلحة.
عوامل العودة
إمكانية انزلاق الوضع إلى حرب جديدة، سيكون على جدول أعمال الموفد الأميركي آموس هوكستين الذي سينقل رسالة هامة إلى الدولة اللبنانية.
أكثر من 300 خرق إسرائيلي موثّق، والجانب اللبناني يحاول تمرير المرحلة على طريقة ما بعد “حرب تموز”، وستؤدّي محاولة التنصّل من الاتفاق إلى تدمير ما تبقى من الدولة اللبنانية.
إذاً، المؤشرات التي تدلّ على عودة الحرب حسب مصادر دبلوماسية كثيرة وأبرزها:
أولاً: استمرار الخروقات الإسرائيلية والتصرّف وكأن الحرب مستمرّة.
ثانياً: تصاريح قادة “حزب الله” الرافضة لتسليم السلاح إلى الدولة واعتبارهم أن الاتفاق يشمل منطقة جنوب الليطاني فقط.
ثالثاً: عدم حزم الدولة اللبنانية وتصرّفها بجديّة، إذ لم تصادر أي مخزن سلاح أو “خرطوشة” لـ “حزب الله” شمال الليطاني حتى هذه الساعة، في حين تطرح علامات استفهام عما يجري جنوب الليطاني.
رابعاً: عدم إصدار رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قراراً بالسماح بعودة سكّان شمال إسرائيل، ما يعني وجود قرار باستمرار الحرب، وهذا مؤشر كبير على ما قد يحصل في الأيام والأسابيع المقبلة.
خامساً: تزويد إسرائيل بالذخائر والأسلحة اللازمة من واشنطن، وهذا الأمر يدل على أنها لا تزال في حالة حرب.
سادساً: تأجيل عدد من شركات الطيران العالمية الرحلات إلى مطار رفيق الحريري الدولي.
سابعاً: تأجيل استثمارات أو مشاريع لرجال أعمال عالميين في لبنان وإسرائيل.
ثامناً: محاولة طهران الدائمة إرسال سلاح لـ “حزب الله” وعدم اعترافها بالهزيمة.
تاسعاً: سقوط نظام بشار الأسد في دمشق، بدّل التوازنات العسكرية في المنطقة، وبات الجيش الإسرائيلي قادراً على استكمال الحرب بطريقة أسهل. خط إمداد “حزب الله” قُطع، والجيش الإسرائيلي يتمركز على مقربة من دمشق وفي السلسلة الشرقية، وقد سيطر بالنار من جبل الشيخ على الجنوب والبقاع، وبالتالي أصبحت العملية العسكرية أسهل، والالتفاف نحو الجنوب والبقاع بات مؤمناً، في حين انتهى من تدمير بنية “حزب الله” في جنوب الليطاني، وضرب بنيته في سوريا وتحديداً على الحدود في القلمون.
أمام كل هذه العوامل، تشير المعلومات إلى أن الهدنة الهشة قد تنهار في أي وقت، وما حصل في “وادي الحجير” دليل على عدم وجود قرار إسرائيلي بترك ساحة الجنوب لإيران و”حزب الله” لإعادة التسلّح وتشكيل خطر عليها.
وفيما يعاني “حزب الله” من أزمة تسلّح وأزمة مالية وعددية، تؤكّد المعلومات خسارة “الحزب” أكثر من 7000 مقاتل في معارك جنوب الليطاني، في حين لا يزال عدد كبير من شبابه مفقوداً بين أنفاق الجنوب وسوريا والعراق.
بات الوضع في جنوب الليطاني على الشكل الآتي: الجيش الإسرائيلي دمّر القرى الحدودية، أو ما كان يعتبرها “حزب الله” الحافة الأمامية وباتت غير صالحة للقتال كما للسكن. المنطقة الخلفية لجنوب الليطاني، تتعرّض باستمرار لنيران إسرائيلية، بينما يحاول الجيش اللبناني الانتشار وسط العراقيل التي تزرعها إسرائيل و”حزب الله”.
تستعدّ كل من إسرائيل و”حزب الله” لاستئناف القتال حتى قبل نهاية هدنة الستين يوماً، وستكون الفاتورة مرتفعة، إلا في حال اقتنعت إيران بالهزيمة وخرج “حزب الله” بموقف تاريخي يسلّم فيه سلاحه إلى الجيش وتمّ الضغط على إسرائيل للانسحاب من لبنان ووقف الحرب.