كرّ وفرّ بين الجيش ومطلوبين لجأوا إلى سوريا
كتب عيسى يحيي في نداء الوطن: فتح سقوط النظام السوري الباب أمام جميع الملفات السياسية والأمنية المرتبطة بلبنان، وأُدرِج بعضها ضمن خانة الحل السريع، فيما يعوّل على حلّ الملفات الأخرى بعد الترتيبات التي تقتضيها المرحلة المقبلة، والتي تتطلب مزيداً من التواصل والتشاور، في انتظار ما ستؤول إليه مجريات الأحداث في سوريا، بعد تسلم الإدارة الجديدة.
تتّضح الصورة التي بنى عليها نظام الأسد اقتصاده خلال السنوات الأخيرة، من تهريب وتصنيع المخدرات، إلى فتح الأسواق الداخلية أمام البضائع المهربة من لبنان، ناهيك عن تحول المدن والبلدات السورية إلى سوق تصرّف فيه جميع أنواع المسروقات من لبنان، لا سيما السيارات التي كانت تفتح لها الحدود بتواطؤ من عناصر الفرقة الرابعة التي كان يديرها ماهر الأسد، وبالشراكة مع العصابات والتجار في لبنان، الذين اغتنموا طول الحدود اللبنانية السورية، وأقاموا معابر غير شرعية تمرّ عبرها تلك المسروقات، ناهيك عن استعمالها لنقل نازحين من سوريا باتجاه لبنان، بالإضافة إلى استخدامها للهروب إلى المناطق السورية خلال المداهمات والحملات الأمنية للجيش اللبناني.
شكلت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا من جهة الشرق، وتحديداً المحاذية لحمص والقصير من الجهة السورية، والهرمل من الجهة اللبنانية، ملاذاً آمناً لعصابات الخطف والسرقة وتجار المخدرات في لبنان، حيث كانت وجهتهم عند كل مداهمة أمنية أو حملة يقوم بها الجيش اللبناني، وباتت تشكل عبئاً على المجتمع اللبناني، وخطورةً دفع أثمانها العديد من اللبنانيين خسارةً في أرزاقهم، وأرواحهم دفاعاً عنها، كذلك تقديم الجيش والقوى الأمنية على اختلافها العديد من العناصر، في سبيل تثبيت الأمن والأمان، بعد سنوات من التفلت الأمني ومعاناة البقاعيين مع تلك الظواهر.
أكثر من ثلاث سنوات والبقاع اللبناني ينعم بالرخاء الأمني من جراء تثبيت الجيش والقوى الأمنية معادلته الجديدة، التي قامت على خلو المحافظة من العصابات والتجار مهما كان الثمن، إضافة إلى تثبيت قائد الجيش المصالحة مع العشائر البقاعية، ما دفع هؤلاء إلى التوجه نحو الأراضي السورية، بعد أن أقاموا على مدى سنوات علاقات تجارية مع الجيش السوري المنتشر على الحدود، سمحت لهم بالتغلغل في البلدات السورية وصولاً إلى دمشق. ومع سقوط نظام الأسد وهروب عناصر الجيش السوري، وبدء تسلم “هيئة تحرير الشام” المراكز العسكرية، ثمة أسئلة عن وضع المطلوبين وتجار المخدرات والعصابات الذين كانوا يقيمون في سوريا، وخصوصاً على الحدود ضمن الأراضي السورية في القصير، وعدد من البلدات اللبنانية الواقعة ضمن الجغرافيا السورية.
مصدر أمني قال لـ “نداء الوطن”: شهدت السنوات الأخيرة هدوءاً أمنياً في بعلبك الهرمل، بعد قيام الجيش اللبناني بحملات أمنية ومداهمات، أسفرت عن توقيف عدد من المطلوبين وأفراد عصابات الخطف والسرقة، وتجار المخدرات، فيما تمكن آخرون من الهروب نحو الداخل السوري. وبحكم العلاقات التي تربطهم مع الجيش السوري، لم يلق الأخير القبض عليهم وتسليمهم إلى الدولة اللبنانية، ومع تشديد الجيش اللبناني إجراءاته على الحدود وإقفال المعابر غير الشرعية، وانتشار أبراج المراقبة البريطانية الكاشفة للحدود بشكل واسع، وجد المطلوبون أنفسهم عالقين في الداخل السوري وغير قادرين على العودة.
الحال هذه وفق المصدر الأمني بقيت حتى تاريخ سقوط النظام في سوريا، ودخول عشرات الآلاف من السوريين الموالين للنظام، واللبنانيين الشيعة، إضافةً إلى مواطنين إيرانيين وعراقيين، عبر المعابر التي خصصها الجيش اللبناني، دون تواجد للأمن العام اللبناني حينها، ومن دون تسجيل أسماء الوافدين من قبل الجيش نظراً إلى الظرف الذي كان سيد الموقف. مؤكداً أن عشرات المطلوبين للدولة اللبنانية دخلوا ضمن تلك القوافل عائدين إلى قراهم ومدنهم لا سيما القريبة من الحدود، ظناً منهم أن الدخول خلسة يقيهم ملاحقة الدولة اللبنانية .
أضاف: “إن الجيش اللبناني ومهما بلغ ثقل المهمات الملقاة على عاتقه، لم يغفل هذا الملف، حيث كان قد دهم أمس عدداً من البلدات الحدودية اللبنانية بحثاً عنهم، الأمر الذي دفعهم إلى الدخول مجدداً نحو الأراضي السورية، ولكن ليس في العمق ذاته الذي كانوا يدخلونه سابقاً، نظراً إلى تواجد عناصر “هيئة تحرير الشام”، إضافةً إلى خوفهم من انتقام السوريين منهم”. وشدد المصدر أن الجيش سيعمل على ملاحقتهم حتى توقيفهم، ولن يسمح بعودة عملهم إلى الداخل اللبناني، مؤكداً أن سرقة السيارات خلال الأيام الأخيرة انخفضت بنسبة كبيرة في بعض المحافظات اللبنانية، لكون الطريق الذي تسلكه تلك المسروقات بات مقطوعاً، والسوق الذي تصرّف فيه فُقد.
عودة المطلوبين إلى الداخل اللبناني، والخوف من تكرار التجارب السابقة من سرقات وعمليات خطف، والمواجهات مع الجيش اللبناني التي تفضي إلى خسارة بشرية، همٌّ يشغل بال عشائر المنطقة وفاعلياتها، لكونها فتحت صفحة جديدة مع الجيش وقائده الذي زارها مرات عدة، وبنت علاقة مع المؤسسة العسكرية قائمة على المصالحة، وعدم تغطية أي مطلوب، وفتح الأبواب أمام المداهمات، كذلك رفع الأحزاب الفاعلة في المنطقة الغطاء عنهم، الأمر الذي يطرح السؤال عن مصيرهم خلال المرحلة المقبلة، وهل يفتح باب العفو العام عن الموقوفين الإسلاميين والذي عاد إلى الواجهة من جديد، الباب أمام مئات المذكرات في بعلبك الهرمل، وإجراء تسوية تفضي إلى تسليمهم أنفسهم، ليعمل لاحقاً على حلّ؟