ماذا وراء قرارات الجولاني “المفاجئة”؟
أثار إعلان زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع الملقب بـ “أبو محمد الجولاني”، حول إلغاء التجنيد الإلزامي وحل جميع الفصائل المسلحة في سوريا، جدلا كبيرا على الساحة السياسية والعسكرية في البلاد. هذه القرارات التي اتخذتها القيادة الجديدة للهيئة تأتي في وقت حساس، وتطرح العديد من التساؤلات حول توقيتها وأهدافها، خاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية المعقدة التي تشهدها البلاد، وأبرزها التحديات الإسرائيلية المتواصلة داخل الأراضي السورية.
في تصريحات خاصة لـ “سكاي نيوز عربية”، أكد الخبير العسكري والاستراتيجي هيثم حسون أن هذه القرارات تعكس تحولاً كبيراً في رؤية القيادة حول دور الجيش السوري ومنظومة الدفاع في البلاد، مشيراً إلى أن “إلغاء التجنيد الإلزامي” قد يكون رد فعل من قبل القيادة الجديدة على موجة الفرار الكبيرة من الخدمة العسكرية التي شهدتها سوريا في الآونة الأخيرة.
وأوضح حسون أن الكثير من الشبان السوريين “لم يرغبوا في الانخراط في حرب عبثية” دمرت بنية المجتمع السوري وأرهقت الشعب على مدى أكثر من 13 عاماً من النزاع. في هذا السياق، فإن هذه الخطوة قد تعكس رغبة في إعادة ترتيب الوضع العسكري في سوريا بعد مرحلة من الفوضى في ظل الوجود العسكري المتعدد الأطراف، خصوصاً مع تحديات الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة التي تهدد السيادة السورية.
قرار إلغاء التجنيد الإلزامي يأتي في وقت حرج، حيث تتصاعد التهديدات الإسرائيلية لمواقع داخل العمق السوري، الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدوى هذا القرار في ظل حالة من الفراغ الأمني الذي قد يُترك إذا تم تطبيقه. وحذر حسون من أن هذا الإلغاء قد يعرض سوريا لمزيد من الفوضى الأمنية، حيث يتطلب بناء مؤسسة عسكرية جديدة تستطيع حماية الدولة وتوفير الأمن الداخلي وقتاً وجهوداً مضاعفة.
وفي ذات السياق، لفت حسون إلى أن أخطاء القيادة السابقة في التعامل مع الوضع العسكري تركت القوات المسلحة السورية في مواجهة العديد من التحديات السياسية والأمنية، وهو ما يزيد من صعوبة المرحلة المقبلة في إعادة بناء المؤسسة العسكرية الوطنية.
أما بشأن حل الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، فقد وصف حسون هذا القرار بـ الاستراتيجي والحيوي. فقد اعتبر أن “وجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة يشكل تهديداً على استقرار البلاد”، بغض النظر عن توجهاتها أو عقائدها. وتابع حسون قائلاً: “من الضروري أن تكون كل أشكال السلاح تحت إدارة الدولة لتوفير الأمن القومي وحماية الاستقرار الداخلي”.
وفي ما يتعلق بمستقبل أفراد هذه الفصائل، أشار حسون إلى أنه من الممكن أن يكون هناك خيارات عدة لمعالجة هذه المسألة، مثل انضمام بعض المقاتلين إلى الجيش السوري الجديد أو القوى الأمنية، أو حتى عودتهم إلى الحياة المدنية. إلا أنه أكد أن هذا يتطلب نوايا صادقة من جميع الأطراف المعنية، بعيدا عن الطموحات الشخصية أو محاولات إنشاء مناطق نفوذ خاصة.
رغم أهمية القرارات التي اتخذها الجولاني، يرى حسون أن بناء جيش وطني جديد يتسم بالكفاءة ويكون قادراً على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية يتطلب استراتيجيات طويلة المدى. وتساءل حسون عن مدى قدرة القيادة الجديدة على إدارة المرحلة الانتقالية، التي تتطلب توافقاً بين مختلف مكونات المجتمع السوري، إلى جانب القدرة على مواجهة الضغوطات الإقليمية والدولية، خاصة مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في سوريا.
وتبقى القرارات الأخيرة خطوة ضرورية، ولكنها غير كافية لضمان استقرار البلاد على المدى البعيد، خاصة إذا استمرت التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد، من تصعيد إسرائيلي إلى الانقسامات الداخلية.
تظل القرارات الأخيرة للجولاني بشأن إلغاء التجنيد الإلزامي وحل الفصائل المسلحة خطوة غير تقليدية في سياق الحرب السورية المستمرة، ولكنها تواجه تحديات كبيرة في تطبيقها. وإذا نجحت القيادة الجديدة في إعادة بناء مؤسسة عسكرية قوية وموحدة، فإن ذلك قد يمثل تحولاً استراتيجياً في مسار الصراع في سوريا. ولكن هذا النجاح يتطلب جهوداً مضاعفة من كافة الأطراف المعنية، مع التزامهم بمصلحة الوطن أولاً.