شركات وهمية وعقارات عالمية… رحلة “صعبة” للعثور على ثروة عائلة الأسد!

بعد انتهاء حكم بشار الأسد المفاجئ ورحيله عن دمشق، بدأ ناشطون ومحامون “رحلة صعبة” للبحث عن الثروة الضخمة التي يعتقد أن عائلة الأسد وحلفاءها جمعوها على مدار نصف قرن منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970.
وبينما يعاني ملايين السوريين من الفقر والتشرد، يعتقد محامون ومعارضون أن الأسرة تمكنت من بناء إمبراطورية اقتصادية عبر حسابات سرية وشركات وهمية، مستفيدة من الأنشطة غير المشروعة مثل الاتجار بالمخدرات، مما مكنها من جمع الأموال والعيش في ثراء فاحش.

وتشير صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن الأسرة وداعميها اشتروا عقارات في روسيا وفنادق في فيينا وطائرة خاصة في دبي، من بين أصول أخرى، وذلك نقلاً عن مسؤولين أميركيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية.
بدأت أسرة الأسد في جمع الثروة بعد فترة وجيزة من تولي حافظ الأسد السلطة، وخلال العقود الماضية، استخدم الأسد الأب والابن الأقارب لإخفاء هذه الثروة في الخارج.
وقال توبي كادمان، محامي حقوق الإنسان الذي حقق في أصول الأسد: “كانت الأسرة الحاكمة خبيرة في العنف الإجرامي مثلما كانت خبيرة في الجرائم المالية”.

ولا يعرف على وجه التحديد حجم ثروة عائلة الأسد، وكذلك الأشخاص الذين يتحكمون فيها. وكان تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2022 ذكر أنه من الصعب تحديد رقم دقيق، مشيرًا إلى أن بعض التقديرات “مفتوحة المصدر” ترجح أن تكون بين مليار إلى ملياري دولار، “ولكنه تقدير غير دقيق لا تستطيع وزارة الخزانة الأميركية التحقق منه بشكل مستقل”.
وأشارت الوزارة إلى أن الأموال “تم الحصول عليها غالبًا من خلال احتكارات الدولة والاتجار بالمخدرات، خاصة الأمفيتامين والكابتاغون، وإعادة استثمارها جزئيًا في ولايات قضائية خارج نطاق القانون الدولي”.
تنشأ الصعوبة في تقدير صافي ثروة الأسد وأفراد عائلته الممتدة من أنها “منتشرة ومخفية في العديد من الحسابات ومحافظ العقارات والشركات والملاذات الضريبية الخارجية”، وبعض الأصول في الخارج تعود إلى أسماء مستعارة لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات.

وفقًا لتقارير من منظمات غير حكومية ووسائل الإعلام، “تدير عائلة الأسد شركات وهمية وشركات واجهة تعمل كأداة للنظام للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل شركات شرعية وكيانات غير ربحية، وغسل الأموال المكتسبة من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، بما في ذلك التهريب وتجارة الأسلحة والاتجار بالمخدرات وعمليات الحماية والابتزاز”.
وحافظ آل الأسد على علاقات وثيقة مع أكبر اللاعبين الاقتصاديين في سوريا، باستخدام شركاتهم لغسل الأموال من الأنشطة غير المشروعة، وتحويل الأموال إلى النظام.
وتشير الوزارة إلى سيطرة زوجة بشار، أسماء الأسد، في 2019 على جمعية البستان الخيرية التي تعود ملكيتها لرامي مخلوف، ابن خال بشار. وتقدر الوزارة ثروة الأخير بما يتراوح بين 5 إلى 10 مليارات دولار.

في عام 2021، ورد أن مسؤولين في القصر الرئاسي، مقربين من أسماء، تم تعيينهم في مجلس إدارة شركة “سيريتل”، أكبر شركة اتصالات في سوريا، التي كان مخلوف يمتلكها حتى استولت عليها الحكومة في عام 2020.
وأشارت الوزارة إلى ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، الذي شارك في عمليات تهريب للمخدرات، بما في ذلك تهريب الأمفيتامين والكبتاغون، وجمع رسوم جمركية بطريقة غير مشروعة.
أما رفعت الأسد، عم بشار، فقد ارتبط اسمه بغسل الأموال والاحتيال الضريبي واختلاس الأموال العامة، ويعتقد أنه يمتلك ثروة تقدر بـ850 مليون دولار.
يورد تقرير “وول ستريت جورنال” أسماء بعض هؤلاء مثل بشار وأسماء ورامي مخلوف ورفعت الأسد وغيرهم.

وتوضح الصحيفة أن عائلة مخلوف اشترت عقارات في دبي بقيمة 3.9 مليون دولار، وفقًا لدراسة أجراها مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، مركز الأبحاث في واشنطن، الذي فحص بيانات للعقارات مقدمة من مصادر سرية.
قال رامي مخلوف في طلب للحصول على الجنسية النمساوية إن عائلة مخلوف اشترت أيضًا فنادق بقيمة 20 مليون يورو في فيينا.
وفقًا لتحقيق أجرته مجموعة مكافحة الفساد “غلوبال ويتنس” عام 2019، فإن عائلة مخلوف تمتلك أيضًا عقارات بقيمة 40 مليون دولار تقريبًا في ناطحات سحاب فاخرة في موسكو.
ويليام بوردون، المحامي الفرنسي الذي حقق في أصول الأسد، قال إن آل مخلوف كانوا يجنون المال نيابة عن بشار لتكملة النظام وعائلته الحاكمة عند الحاجة. وأضاف: “آل مخلوف أمناء سر آل الأسد”.

واندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011 خلق فرصًا جديدة لعائلة الأسد. فقد تولى ماهر الأسد قيادة الفرقة المدرعة الرابعة التي شاركت في تهريب الكبتاغون إلى دول الشرق الأوسط، وفقًا لوزارة الخارجية الأميركية.
ساعدت عائدات المخدرات التي جناها النظام على مدى سنوات على تعويض الخسائر الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الغربية، إذ جلبت حوالي 2.4 مليار دولار في المتوسط سنويًا بين عامي 2020 و2022، وفقًا لمرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، وهي منظمة بحثية تتعقب تجارة الكبتاغون.
ورغم الجهود المبذولة للعثور على ثروات عائلة الأسد، فإنه من المرجح أن يكون العثور على الأصول وتجميدها أمرًا صعبًا، لأنه بعدما شنت الولايات المتحدة حملة عقوبات على نظام الأسد لفترة طويلة، حصل أعمدة هذا النظام على الوقت الكافي لإخفاء ثرواتهم.

وكان هذا ما حدث في العراق وليبيا، فقد أمضى المحققون الذين قادوا عملية البحث عن المليارات التي خبأها صدام حسين ومعمر القذافي سنوات في ملاحقة الأشخاص المرتبطين بهما، والتنقل بين الشركات الوهمية، ورفع الدعاوى القضائية الدولية لاستعادة الأموال، والنتيجة كانت نجاحًا “محدودًا”.
قال أندرو تابلر، المسؤول السابق في البيت الأبيض، الذي شارك في تتبع أصول عائلة الأسد: “ستكون هناك عملية ملاحقة لأصول نظام (الأسد) على المستوى الدولي… كان لديهم الكثير من الوقت قبل الثورة لغسل أموالهم. كانت لديهم دائمًا خطة بديلة وهم الآن مجهزون جيدًا للمنفى”.
تشير الصحيفة إلى بعض النجاحات في تجميد أصول عائلة الأسد. ففي عام 2019، جمدت محكمة في باريس ممتلكات بقيمة 90 مليون يورو (95 مليون دولار) في فرنسا يملكها رفعت الأسد، كان قد حصل عليها عن طريق غسل أموال عامة.

والأربعاء، قالت الحكومة السويسرية إن هناك أصولًا سورية مجمدة لديها تبلغ قيمتها 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار)، معظمها مجمد منذ سنوات.
قال متحدث باسم أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية لرويترز: “هناك حاليًا 318 فردًا و87 كيانا على قائمة العقوبات”، دون أن يفصح المتحدث عما إذا كانت سويسرا جمدت أي أصول لرئيس النظام السابق بشار الأسد.
قال بوردون، محامي حقوق الإنسان الذي رفع القضية في باريس، إن الأموال الموجودة في الملاذات الضريبية مثل دبي وروسيا ستكون أكثر صعوبة في الاسترداد.
في هذه الحالات، سيحتاج المحققون إلى الحصول على أوامر قضائية بتجميد الأصول واستردادها، وليس من الواضح ما الجهة التي يفترض أن تحصل على هذه الأموال في سوريا بعد انتهاء حقبة الأسد.
لكن بوردون أكد: “لدينا واجب استعادة الأموال للشعب السوري”.

وشارك السبت في العقبة، جنوبي الأردن، وزراء عرب ومن الاتحاد الأوروبي وتركيا في مناقشات بشأن سوريا. وأيد المشاركون “تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري” تتيح الانتقال إلى “نظام سياسي يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة”.
وأكد المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الأحد، لدى وصوله إلى العاصمة دمشق، أن العملية السياسية “يجب أن تكون شاملة ويقودها السوريون بأنفسهم”، معربًا عن أمله بإنهاء العقوبات المفروضة على البلد قريبًا.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى