كيف تواكب مدارسنا التغيير الرقمي؟

يواجه القطاع التربوي في لبنان تحديات كثيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والأمنية التي تؤثر سلباً في نوعية التعليم واستقراره بين مختلف الصروح التربوية الموزّعة بين الريف والمدينة. ومن بين هذه التحديات عدم توافر البنية التحتية التقنية الرقمية من أجل استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي أصبح ركيزة أساسية في آلية التعليم حول العالم.

فما هو الواقع التربوي في هذا الإطار وأي مستقبل للمهن والتعليم في ظلّ الهيمنة الرقمية حول العالم؟
“لا خوف على مستقبلنا البشري إذا تمّ استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة وليس كبديل من الذكاء البشري”، هكذا تستهل كارين خاطر الشدياق، مرشدة توجيه مهني وأكاديمي ومدرّبة في “وزنات”، حديثها مشددة على ضرورة أن يبقى الذكاء البشري الأساس في عملية تحريك الفكر النقدي والابتكار والتفاعل الاجتماعي، وعدم الاتكال التام والمبالغ به على الذكاء الرقمي في عملية التعليم، بل التعامل معه بحكمة ووعي، لئلا نفقد مهاراتنا الذهنية والفكرية، معتبرةً أنه سيتحقق نوع من التهجين، أي الدمج ما بين التعليم الرقمي والتعليم التقليدي.

ورداً على سؤال عما إذا كانت المدارس والجامعات اللبنانية مهتمّة بتدريب الأساتذة على كيفية استثمار الذكاء الاصطناعي، تجيب الشدياق: “نحن بعيدون قليلاً عن هذا الأمر، لأن ثمة حاجات أساسية أخرى قبل البدء بالتفكير بدمج الذكاء الاصطناعي مع التعليم، خصوصاً في ظل التفاوت الكبير بين الريف والمدينة”، مشيرةً إلى أن التفاوت بين مدرسة وأخرى وبين الجامعات المختلفة، يزيد الفجوة بين الطلاب، حيث يحظى قسم بفرصة تعليمية أفضل من سواه، ما ينعكس سلباً على تأمين فرص متكافئة للجميع لناحية التحصيل العلمي والأكاديمي من جهة، وفرصٍ على صعيد سوق العمل من جهة أخرى.

وعن أهمية مواكبة الأساتذة التطوير التكنولوجي والتحوّل الرقمي، تقول: “يجب أن يكتسبوا مهارة استخدام الذكاء الاصطناعي والأدوات التعليمية الخاصة به، من دون إهمال أهمية تطوير مهاراتهم الفكرية والنقدية والتفاعلية والاجتماعية مع الطلاب، ليكونوا قادرين على تعليمهم كيفية التعامل مع التكنولوجيا بطريقة آمنة ومسؤولة غير اتكالية”.
أمّا من ناحية تطوير المناهج، “فحدّث ولا حرج”، بالنسبة إليه، لغياب أساسيات كثيرة في هذا الإطار، محبّذة العمل على استكمال النواقص، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي بطريقة ذكية وحكيمة ومرنة مفيدة للجميع، على صعيد استخدام التطبيقات الرقمية الكفيلة بإتمام المهمات الروتينية الإدارية.

ولا تخفي الشدياق وجود تحديات كثيرة في عملية تدريب الأساتذة والإداريين على صعيد مواجهة التغيير والخوف من التحولات الجديدة، خصوصاً أن بعض المدرّبين يفتقد للخبرة ولكيفية التعامل مع التكنولوجيا مقابل جيل ملمّ أكثر منهم في هذا الإطار، كما يخشى كثيرون من أن يصبح التحول الرقمي بديلاً منهم، “لذلك ننظّم برامج تدريبية عمليّة، مبسّطة، وفق خطّة متدرّجة وواضحة”.

وعن مستقبل المهن غير المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالتحول الرقمي تقول: “سيزيد الطلب في المرحلة المقبلة على المهارات التكنولوجية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل البرمجة وتحليل البيانات وغيرها، لذلك من المهم تعزيز هذه المواد على المناهج التعليمية ليطّلع الطلاب على كيفية التعامل معها بذكاء وحكمة. ولكن من جهة أخرى ما من خطر فعلي على المهن اليدوية التقليدية الدقيقة، لأنه لا يمكن استبدالها بالتحول الرقمي كونها مهارات متوارثة تتطلب خبرة وابتكاراً لا يمكن لآلة تقديمهما. كما لا خشية على الاختصاصات المتعلقة بعلم النفس والاجتماع والفنون والمواد المرتكزة على التفاعل البشري، مثل الطب، حيث يستعين الأطباء بالتطور التكنولوجي الرقمي، إنما لا يمكن لروبوت أن يحل مكان طبيب قادر على التفاعل مع المريض إنسانياً ونفسياً”.

وتختم الشدياق: “ثورة الذكاء الاصطناعي تسير ولا سلطة لدينا في المطلق لمواجهتها أو محاربتها، لذلك من الحكمة أن نتعلّم كيفية التماهي معها والتثقّف جيداً لتمييز حسناتها من سيئاتها، ما سيمكّننا من المرور بأمان إلى المرحلة التغييرية التي لا ندرك ماهيتها بعد. فمن سيرفض رفضاً قاطعاً هذا التحوّل الرقمي سيقصي نفسه ويقضي على مهنته ومستقبله”، مشددةً على أهمية تعليم الشباب وإرشادهم بحذر وذكاء في كيفية استخدام التكنولوجيا بطريقة مسؤولة وواعية ومتوازنة مع تطوير مهاراتهم الاجتماعية، مثل التعاطف والتعاون والقدرة على التواصل والقيادة والابداع والتفكير المنهجي.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى