الحياة تعود تدريجاً إلى صور… وأبناؤها يلملمون خسائرهم
كتبت حنان حمدان في “الشرق الأوسط”:
تعود الحياة تدريجاً إلى مدينة صور (جنوب لبنان)، رغم تدني مقومات العيش الأساسية، بفعل انقطاع المياه وغياب التغذية الكهربائيّة وضعف شبكات الاتصالات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في بلدات وقرى جنوبية عدّة.
الذي يجول في المدينة، يرى أبناءها يلملمون خسائرهم، يرفعون الركام من منازلهم ومؤسساتهم التجارية، التي أصابها العدوان الإسرائيلي، كما أصاب المقاهي والفنادق والكورنيش البحري.
مدينة منكوبة
يُشبّه نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي، هذا العنف الذي استهدف معظم أحياء المدينة البحريّة، بـ«الزلزال»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي مدينة منكوبة بكل ما للكلمة من معنى، الخسائر المادية كبيرة جداً، والدمار كبير». ويضيف: «أسوأ ما يعانيه أبناء المدينة راهناً انقطاع المياه جراء القصف الإسرائيلي الذي أصاب المحطة التي تغذِّي المدينة وجوارها، وقد تولى إصلاحها (الصليب الأحمر الدولي) منذ يوم السبت الماضي، لكن يحتاجون إلى نحو أسبوعين للانتهاء منها»، لافتاً إلى أن البلدية تنتظر قرار مجلس الوزراء لتحديد الأماكن التي ستنقل إليها الركام.
الصيادون يتحسّرون على مدينتهم
على الكورنيش البحري؛ حيث تنتشر الفنادق والمقاهي، يأتي الناس من صور وجوارها، لتفقد المكان، يبدو الحزن واضحاً على وجوههم، بسبب ما آلت إليه أمور الواجهة السياحية للمدينة. أما الضربات الإسرائيلية فقد تركت أثراً بليغاً في المكان.
هناك، يجلس ابن مدينة صور الصياد يوسف مصطفى، على كرسي صغير، يشاركه في الجلسة، شبان قدموا من ضواحي صور للاطمئنان عليه. يحمل صنارة صيده، يرمي بها إلى البحر، وإلى جانبه، يضع ما جمعه من الأسماك وخلفه بنايتان مدمَّرتان.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عدتُ إلى المدينة قبل أربعة أيام، أنا وعائلتي، بعد أن نزحت خلال أيام الحرب إلى صيدا، بوابة الجنوب. أتيت اليوم للصيد رغم الدمار، كي أُؤَمِّن قوت يومنا من الطعام».
هنا، وتحديداً على الكورنيش، حيث يجلس مصطفى، وغيره من أبناء المدينة الذين حملوا فناجين قهوتهم، وحضروا إلى المكان، يتناثر زجاج المباني في كل مكان.
يُخبرنا مصطفى عن حال منزله الذي يبعد عشرات الأمتار فقط عن مكان الاستهداف: «الأضرار كبيرة بفعل العدوان، وضعت على النوافذ نايلون لاصق، يقينا صقيع الشتاء، لكن لا مشكلة في ذلك، العيش هكذا ولا الذل». ويتابع: «لم تحضر بعد أي لجنة للكشف على أضرار المنزل. لا نعلم راهناً ماذا سيكون مصيرنا. وأنا لا أملك سوى صنارتي لتأمين قوت يومنا. ورغم ذلك ما نريده أن تتوقف الحرب نهائياً، جميع الأمور الأخرى يمكن ترتيبها مجدداً».
خوف من تهجير ثان
وعن الخروقات الإسرائيلية يُخبرنا: «كمواطنين نخاف من أن تعود الحرب مجدداً، لذا أبقيت المنزل الذي نزحت إليه مستأجراً». وهو ما يشير إليه أيضاً فوزي الشعار، وهو أحد أبناء المدينة أيضاً: «الناس خائفة هنا، يُرهبون الناس بطائراتهم الحربية والمسيَّرات وكذلك الاستهدافات الكثيرة، لكن الناس عادت لأشغالها من أجل تأمين حاجياتهم، على أمل أن يكون وقف إطلاق النار نهائياً».
يُحدثنا عن أزمة المياه التي يعاني منها الناس منذ أكثر من 20 يوماً، ويتابع: «بقيت صامداً في المدينة وواكبت جميع الأحداث. ما نطلبه اليوم أن يتحرك المعنيين لتأمين المياه والكهرباء للمدينة وضواحيها، في أقرب وقت ممكن».
شارع أبو ديب … قلب المدينة النابض يفتقد للحياة
في شارع أبو ديب، أهم الشوارع الحيويّة في صور، وقلب المدينة النابض بات يفتقد للحياة. هنا حيث تكثر المؤسسات التجاريّة المتنوعة، يبدو الدمار واضحاً في المكان، وقد باشر أصحاب المحال التجارية إزالة الزجاج المتناثر وجمع البضاعة التالفة في المكان، لرميها لاحقاً.
يقول أحد أصحاب محال بيع الملابس الرياضية لـ«الشرق الأوسط»: «أتينا اليوم للكشف على مصالحنا. الضرر كبير، لكن لا يمكننا تقدير الخسائر الآن. خسرنا بضاعة تُقدر بعشرات آلاف الدولارات، وتضرَّر كامل المكان».
ويضيف: «لا نعلم ماذا سنفعل في الأيام المقبلة، الأسئلة كثيرة؛ هل هناك أي جهة ستعوض علينا؟ وهل سنتمكن من فتح متاجرنا من جديد». في حين يقول أصحاب بعض المحال الأقل تضرراً إنهم يعتزمون إعادة افتتاحها فور ترتيب أمورهم.
أزمة مياه في المدينة
في الشارع هناك، يروي أحمد أحد أبناء المدينة، أزمة السكان بسبب انقطاع المياه جراء الغارة الإسرائيلية التي أصابت محطة المياه، ويقول: «هناك مساعٍ لحل المشكلة. وفي هذا الوقت نتدبر أمورنا؛ إما عبر شراء المياه، وإما عبر مبادرات مدنية».
يتكرر المشهد هناك في كل مكان، يحاول أبناء المدينة ترتيب أمورهم بما هو متاح، وحدها المتاجر التي تبيع مواد غذائية سارعت إلى فتح أبوابها، لبيع ما توفر لديها من مواد غذائية صالحة للاستخدام، والأفران أيضاً تبيع المخبوزات.
في شارع الحلواني بالقرب من آثار صور، غارة إسرائيلية على أحد المنازل لم تترك أثراً بليغاً في المكان إلا على المبنى المواجه لها، تتمّ إزالة الزجاج المتبعثر، ولم تتسبب بأي ضرر على الآثار.
مواطنون يتفقدون المكان
اللافت، وجود حركة خفيفة في السوق العتيق (الشعبية)، إذ قدِمت الشابة العشرينية ناهد هي وصديقتها، لتفقد المكان، علماً بأنها لا تريد شراء الحاجيات.
تقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن من سكان ضواحي صور، كنا قد نزحنا إلى طرابلس (شمال لبنان) خلال فترة الحرب الإسرائيلية على لبنان. وفور عودتنا، جئنا لزيارة قلب المدينة، وأول محطة لنا هي للسوق القديمة».
وتضيف: «اشتقنا لصور وشوارعها، سنتنقل فيها سيراً على الأقدام. المحطة الثانية ستكون في الميناء وحي الآثار ومنطقة الرمل والخط البحري أي كورنيش المدينة». وعن حجم الدمار تقول: «حين وصلت إلى صور بكيت، على حالها وحالنا معاً، لم نتوقع هذا الكم الهائل من الدمار. ما رأيناه في الصور وعلى شاشات التلفاز من قصف ودمار مضاعف مرات على أرض الواقع».
بعض المحال سارعت لفتح أبوابها
تروي إحدى العاملات في متجر لبيع الملابس هناك، كيف سارعت إلى فتح باب رزقها، في يوم إعلان وقف إطلاق النار، فهي ابنة حارة صور (ذات الغالبية المسيحية) التي لم تغادرها، كما كثر من أبناء المدينة، طوال الحرب.
وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إقبال الزبائن ليس كثيفاً. ورغم ذلك أعدنا فتح أبوابنا، كما فعل عدد من التجار هنا»، وتضيف: «لم نصدق أن الحرب انتهت حتّى نعود إلى حياتنا الطبيعية. لا نشعر بالخوف، ما نريده ألا تتكرر الحرب. كثر من أصحاب المتاجر فقدوا أحباباً لهم ويقيمون العزاء، لكنهم سيعاودون فتح محالهم في وقت قريب».