الاقتصاد ينزلق… كم من الوقت يحتاج لبنان للنهوض مجدداً؟
كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:
خسائر غير محدودة خلّفتها الحرب الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله” على كل المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمرانيّة، وفي ظلّ عدم استشراف نهاية مُرتقبة لهذه الحرب فإنّ حجم الخسائر سيتضاعف أكثر فأكثر. ولا يتوّقف الأمر على الخسائر المُباشرة جرّاء التدمير بل على توقّف الدورة الاقتصاديّة إنْ من الناحية الصناعيّة بعد تضرّر الكثير من المؤسّسات وانعكاس الحرب على المؤسّسات الأخرى التي شُلّ عملها بالكامل، أو من ناحية قطاعات التجارة والسياحة التي مُنيت بخسائر غير مسبوقة في ما عدا جائحة كورونا.
كلفة عالية يتكبدّها لبنان اليوم جرّاء الحرب، وهو الذي لم يخرج بعد من الأزمة الاقتصاديّة التي ضربت القطاع المصرفي وهرّبت الاستثمارات من لبنان، فهل من إمكانية للتعافي وإعادة الإعمار في ظلّ انكفاء عربي واضح عن هذا الأمر؟
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غادة أيوب تؤكّد أنّه “بحسب كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في القمة العربية الإسلامية في الرياض، الذي يُعتَبَر الرقم الرسمي الصادر عن الحكومة، قدِّرت الأضرار والخسائر الماديّة حتى يوم الإثنين بـ8 مليارات و500 مليون دولار، منها 3 مليارات و400 مليون دولار تدمير كلي أو جزئي لنحو 100 ألف مسكن، و5 مليارات و100 مليون دولار خسائراقتصادية في كل القطاعات كالتربية والصحة والبيئة… نتحدّث عن رقم يُوازي نحو 9 مليارات دولار، ينقسم بين دمار لـ100 ألف مسكن وخسائر اقتصادية، لكننا في المُقابل نسمع وزير الاقتصاد يُقدّر الخسائر وإعادة الإعمار بـ20 مليار دولار. هذا عدا عن آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من الجرحى، إضافة إلى مليون و200 ألف لبناني نزحوا إلى مناطق كبيروت وكسروان وجبيل والمتن والشمال، ما أدّى أيضاً إلى كثافة سكانيّة في هذه المناطق التي بدورها تُعاني من عدم صيانة البنى التحتيّة، ونحن على أبواب الشتاء ونرى كيف أنّ الأضرار والمصائب والكوارث ستكون أكبر بسبب عدم الصيانة وعدم توفر أموال في البلديات إضافةً إلى الشحّ في الأموال العامة”.
الدمار سيتضاعف!
تُضيف أيوب لـ”نداء الوطن”: “اليوم دخلنا، كما أعلنت اسرائيل، في المرحلة الثانية من العدوان البري على لبنان، وبالتالي سيكون الدمار أعنف، وقد بدأت بالفعل الهجمات على الضاحية والجنوب وصور وجوار صيدا، وبالتالي فإنّ الاعتداءات والدمار ستتكثّف وتتوسّع ويرتفع معها عدد الضحايا. من هنا، إذا كانت هذه الأرقام تعكس الخسائر لمدة شهرين، فأعتقد أنّ المرحلة المُقبلة ستكون أصعب، لأنّ لا سقف ولا أمل في وقف إطلاق النار، خصوصاً أننا أمام إدارة أميركية جديدة في طور التسليم والتسلّم. باب المفاوضات مفتوح لكن من دون أفق. وبالتالي، يدفع لبنان ثمن حرب تمّ إعلانها أنها مساندة لغزة وإشغال لإسرائيل، أصبحنا اليوم بحاجة لمن يُساند لبنان ومن يُشغِل إسرائيل عن لبنان”.
خسائر لبنان كبيرة
إلى أيّ مدى في استطاعة لبنان التحمّل أكثر اقتصادياً، تُجيب أيوب “كل اللبنانيين اليوم يدفعون ثمن هذه “المغامرة” التي قام بها “حزب الله”. والخسائر التي يتكبدها اللبنانيون في المناطق “الآمنة” أيضاً كبيرة، لأنه إلى جانب الخسائر التي تكبّدها لبنان بسبب العدوان، فهو تكبّد خلال شهر آب خسائر إضافية بسبب عدم مجيء السياح. اليوم نحن أيضاً على أبواب عيديْ الميلاد ورأس السنة واللذين خلالهما يتوقع لبنان كل عام عودة المغتربين اللبنانيين لزيارة أهاليهم ولتمضية فترة الأعياد في لبنان ما يُساعد على إدخال “فريش” دولار إلى السوق اللبنانية، الذي يعطي مجدّداً الأوكسيجين ويشغّل التجارة والسياحة وينشّط الدورة الاقتصادية، لكن كما هي الأمور مستمرّة اليوم، لا تبشّر بالخير، إذ إن الخطر مُحدق بمطار بيروت، ويعاني يوميّاً من التهديد. وهذا الوضع سيؤدّي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي، من دون أن ننسى أنْ لبنان يمرّ منذ 5 سنوات بأزمة ماليّة اقتصادية نقديّة وفراغ رئاسي”.
صرخة القطاع الخاص
ماذا عن صرخة القطاع الخاص الذي لم يعد يستطيع التحمّل أكثر، وباتت بعض الشركات تخفّف أو تستغني عن موظفيها، تُجيب “هناك العديد من الشركات، استطاعت أن تصمد بجهودها الخاصة من دون أيّ مساعدة من الدولة أو أيّ حوافز وإعفاءات ضريبيّة. للأسف هذه الشركات مضطرة لتخفيض إنتاجها أو مؤسساتها ومعاملها أو أنها تُخفض من عدد موظفيها وهذا الأمر يؤدّي إلى تهديد مئات العائلات، بخسارة مدخولها الشهري. هذه الشركات تقول إنّه في ظلّ عدم وجود أي إعفاءات ضريبيّة أو حوافز أو لفتة من الدولة والحكومة لوضعها الذي بات غير مستقرّ في ظلّ الظروف الحاصلة، سيدفع بها وبخاصة تلك التي ما زالت صامدة إلى ترك لبنان والاستثمار في الخارج. لذلك، الأمر يتطلب إعادة دراسة للموازنة العامّة أو إصدار قانون مستقلّ، لإعفاء أصحابها أو تقسيط الضرائب ومنحهم بعض الحوافز كيّ يتمكّنوا من الاستمرار في عملهم في لبنان. على مدى السنوات الخمس الماضية، شكّل القطاع الخاص الشرعي في لبنان، الشريان الحيوي للدورة الاقتصادية والاستقرار المالي وكان المساهم الأساسي في ضخ الضرائب وزيادة عائدات الخزينة اللبنانيّة من الأرباح التي كان يحقّقها، بالرغم من أن 60 في المئة من الاقتصاد غير شرعي. لكن الدولة لم تأخذ أيّ مبادرة للحدّ من الاقتصاد غير الشرعي ووقف التهريب والتهرّب وملاحقة المخالفين، إنما بقيت على القطاع الشرعي الملتزم بالدولة وبمفهوم الدولة، ولم تستطع بالرغم من كل الأزمات والانهيار الاقتصادي الحاصل أن تخفّف من الأزمة الحالية الواقعة جرّاء الحرب. وبالتالي، فإن الاقتصاد سوف ينزلق نحو الهاوية إذا لم نتخذ مبادرة إنقاذية حقيقيّة من مجلس النواب أو الحكومة لإيقاف هذا النزيف الحاصل وهجرة الشباب والأدمغة والشركات والمؤسسات التجاريّة”.
أيّ لبنان نريد
في اليوم التالي لوقف إطلاق النار في حال حصوله، كم من الوقت يحتاج لبنان للنهوض مجدداً؟ تُجيب أيوب: “السؤال اليوم ليس فقط اقتصادياً، الأمر مختلف عن العام 2006 عندما كانت كل الدول العربية الشقيقة خاصة المملكة العربية السعودية وكل دول الخليج حاضرة مباشرة في اليوم التالي لضخّ الأمول وإعادة الإعمار، واستطاع لبنان بفضل الثقة التي كانت موضوعة في الحكومة آنذاك أن ينظم مجدّداً إعادة نهوض سريعة بالرغم من أنّ بنى تحتية كثيرة من جسور ومحطات كهرباء طالها العدوان آنذاك.
لكن للأسف اليوم كل الأمر مرتبط برئاسة الجمهورية ولبنان الـ “ما بعد وقف إطلاق النار”، وأيّ لبنان نريد: لبنان السيادي الذي سيُطبّق القرارات الدولية ويكون تحت سقف المشروعية الدوليّة وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي ويكون الجيش اللبناني الوحيد الذي يمسك بكل الحدود؟ لأنّ الصوت العربي الواضح، ومن المملكة العربية السعودية أيضاً، أنّهم اليوم لن يُساعدوا لبنان إلّا إذا كان خارج إطار محور إيران وغير مختطف من قبل “حزب الله”، وبالتالي هذا السؤال الذي سنطرحه.
وقف إطلاق النار ليس هو الأساس اليوم، بل أي لبنان نريد وأي رئيس جمهورية سوف يتم انتخابه، وعلى هذا الأساس لبنان يعود مجدّداً للنهوض بهمّة ناسه ومُغتربيه الذين ما زالوا يؤمنون به، وبهمّة أصدقائه وحلفائه الدائمين من الأشقاء العرب والدول الأوروبية والغربية أيضاً. لذلك، الأمر مرتبط بصدقية السلطة الحاكمة التي سوف تنتج عن انتخاب رئيس جمهورية جديد وتشكيل حكومة جديدة. لكن طالما أننا نتّبع النهج نفسه، مع الحكومات والمحاور نفسها، فلا يُمكن أنْ نفصل الاقتصاد عن السياسة”.