“الصناعات الغذائية” تتراجع… وتنزف الدولارات
كتب عماد الشدياق في “نداء الوطن”:
تهدّد الحرب الصناعات الغذائية في لبنان، خصوصاً أنّ قرابة نصفها موجود ضمن المحافظات المستهدفة بالقصف (النبطية، لبنان الجنوبي، جبل لبنان وبعلبك الهرمل). هذا الوضع سيزيد نزف الدولارات في اتجاه الخارج في الأشهر المقبلة نتيجة الحاجة إلى سدّ النقص من السوق الخارجي عبر الاستيراد… أي عبر شراء السلع بمزيد من دولارات الداخل.
يقال إنّ “كار” المأكولات هو الأقل تأثّراً خلال الحروب، لأنّ الناس قد تتوقّف عن استهلاك الكماليات كلّها، ما خلا الطعام. ولأن لبنان يعتمد في اقتصاده على استيراد ما يزيد عن 80% من السلع المستوردة، فإنّ استمرار الحرب لوقت طويل، سوف يهدّد باستنزاف جميع القطاعات، خصوصاً القطاع الصناعي الذي ما إن تأقلم قليلاً مع الأزمة الاقتصادية حتى عادت الحرب وردّته أميالاً إلى الخلف.
نزيف دولارات؟
الغوصَ في الأرقام يشير إلى أنّ “الصناعات الغذائية” المتركّزة ضمن المحافظات الحاضنة لـ “حزب الله”، سوف تكون الأشدّ تأثراً. وهذا يعني، أنّ منسوب استيراد السلع المشابهة سيرتفع في الأشهر المقبلة، وهو بدوره ما سيزيد، وبشكل تلقائي، ارتفاع منسوب النزف في الدولارات إلى خارج لبنان نتيجة سدّ النقص المتوقّع في السلع من خلال الاستيراد.
انتعش قطاع الصناعات الغذائية في السنوات الفائتة بُعيد الأزمة الاقتصادية، وذلك نتيجة عدم قدرة المواطنين اللبنانيين على تحمّل أسعار السلع المستوردة نتيجة تضخّم سعر الليرة اللبنانية، وهو ما دفع بالمصنّعين إلى الخطوات التالية:
1- زيادة الإنتاج برغم الظروف الصعبة وارتفاع المصاريف التشغيلية (مثل الكهرباء والماء وخلافه من الخدمات) بغية تلبية الطلب الداخلي المرتفع.
2- تصدير الفائض باعتبار أنّه الخيار الأفضل من أجل زيادة إدخال العملات الصعبة.
لكن في ظلّ الحرب، هذا الأمر مهدّد بالانقلاب رأساً على عقب: فالحرب تهدّد بعدم قدرة المصانع الموجودة ضمن المحافظات المستهدفة، على تلبية الاستهلاك الداخلي. وذلك نتيجة تضرّرها المباشر بالحرب، أو نتيجة هروب العمال أو حتى عدم القدرة على الوصول إلى مكان العمل. كما أنّ الحرب بدورها، ستؤثّر على تدفّق الدولارات من الخارج إلى الداخل اللبناني… وهذا أمر لا يمكن معرفة حجم تأثيره قبل بداية العام المقبل (2025) لرصده بأرقام دقيقة.
وحينما نقول “الصناعات الغذائية” فإنّنا نقصد بذلك كل ما يخصّ: المعلبات من خضار وفواكه، وحبوب مغلّفة، وكذلك السكاكر مثل ألواح الشوكولاتة على أنواعها، وأفران الخبز ومشتقات الطحين والدقيق، إضافة إلى المشروبات الروحية والغازية والعصائر، وأيضاً الحليب ومشتقاته من أجبان وألبان، وزيوت وخلافه من بين السلع الغذائية القابلة للأكل والاستهلاك.
النبطية الأكثر تضرّراً
المحافظات المتضررة جراء الحرب (حتى الآن) هي ثلاث: بعلبك الهرمل، جنوب لبنان، النبطية، إضافة إلى محافظة جبل لبنان التي تضرّرت جزئياً ضمن منطقة الضاحية الجنوبية… فماذا تخبرنا الأرقام؟
آخر إحصاء أو مسح متوافر لدى “دليل الصادرات والمؤسسات الصناعية في لبنان” يعود إلى العامين 2017/2018، أي إلى ما قبل الأزمة الاقتصادية. لعلّ جزءاً من هذه المصانع أقفل أبوابه بسبب الأزمة، ولا يمكن تمييز أي قطاع تأثر عن بقية القطاعات. لكن تلك الأرقام قد تعطينا “صورة” أو فكرة عمّا حلّ بقطاع الصناعة.
الدليل يشير إلى أنّ عدد المصانع بجميع القطاعات عددها: 6208 مصانع، وهناك 1401 مصنع متخصّصة بالصناعات الغذائية. هذه المصانع موزّعة على المحافظات اللبنانية، ويتركّز أغلبها في الأرياف، باعتبار أنّ الصناعات الغذائية تكون غالباً على مقربة من الانتاج:
_في محافظة بعلبك الهرمل، تضمّ قرابة 173 مصنعاً، 71% منها، متخصّصة بالصناعات الغذائية. في محافظة النبطية، هناك 276 مصنعاً، 28% منها، أي 77 مصنعاً، متخصّصة بالصناعات الغذائية كذلك.
_في محافظة لبنان الجنوبي، ثمة 470 مصنعاً، 24% منها، أي 114 مصنعاً، متخصّصة بالصناعات الغذائية.
أما في الضاحية الجنوبية، فتشير الاحصاءات إلى وجود نحو 373 مصنعاً بنشاطات متنوعة، أي ما يمثّل 10% من مصانع جبل لبنان (3559 مصنعاً)، وتلك المصانع موزّعة بين مناطق حارة حريك، برج البراجنة، الشياح، الغبيري، الأوزاعي، بئر العبد والليلكي…
التدقيق في نشاط هذه المصانع يحتاج الكثير من الوقت، نظراً لصعوبة تصنيفها مناطقياً. لكنّ الأكيد أنّ جزءاً منها يعود إلى الصناعات الغذائية التي تمثل النسبة الأكبر من سائر الصناعات في جميع المحافظات (ما معدله 30%) وقد لحق الضرر بما لا يقل عن 124 مصنعاً للسلع الغذائية في الضاحية… ويشير الاحصاء إلى أنّ عدد المصانع الغذائية المتضررة في المناطق المستهدفة في الحرب، هي قرابة 500 من أصل 1401 مصنع. أي نحو 35% من المصانع الغذائية!
كل هذا والحرب مستمرة، بينما الضرر آيل إلى التوسّع ليطاول “الأمن الغذائي” اللبناني برمّته، خصوصاً في حال جرى استهداف المحافظات اللبنانية الأخرى، بينما السلطة السياسية غائبة بشكل شبه كلّي.
وعليه، فإنّ هذا الملف يجب أن يولى الاهتمام الضروري من جانب الحكومة والبرلمان. فنحن بانتظار ولادة موازنة العام 2025، التي لا بدّ أن تلحظ الاجراءات الضرورية من أجل تحاشي هذه الأزمة التي ستطاول، إلى جانب الغذاء، ميزان المدفوعات المُنهك أصلاً.