عوارض متأخّرة لـ”الفوسفور الإسرائيلي”: التهابات مميتة وأمراض مزمنة وصولاً إلى الإعاقة
كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
أطنان الفوسفور الأبيض التي رمتها قوات العدوّ الإسرائيلي على القرى والبلدات الجنوبية منذ بداية الحرب قبل 11 شهراً، أدّت حتى 20 آب الماضي إلى 257 إصابة، جراء تنشّق الفوسفور الأبيض (تسمّم كيميائي) وفق أرقام وزارة الصحة. اللافت أن معظم المصابين من كبار السنّ (201 إصابة من 257 لأشخاص تفوق أعمارهم الـ 65 عاماً؛ 24 إصابة تحت سن الـ 24؛ و19 إصابة بين 19 و64 عاماً)، في مؤشر واضح على تأثر الفئات الأكثر هشاشة بهذه المادة الخطرة.
«معظم الإصابات كانت عن طريق الاستنشاق وجرت معالجتها من دون أن تسجّل أية حالة وفاة» وفق رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري. مع ذلك، ثمة ما يقلق هنا، وهو أنه في بعض الأحيان قد لا يفلح الكشف السريري في التشخيص الدقيق للحالة، وخصوصاً مع تأخر ظهور العوارض، ونصبح أمام ما يسمّى الالتهاب الرئوي الكيميائي المتأخر الذي قد يؤدي التطوّر في عوارضه إلى صعوبة العلاج. لذلك، تؤكد برّي أنه «إذا كان وضع المصاب جيّداً بعد التعرّض مباشرة للفوسفور الأبيض، فهذا لا يعني أنه قطع الخطر»، مشددة على ضرورة إجراء صورة للرئتين مباشرة، وإعادتها بعد 24 ساعة و48 ساعة للتأكد من أن الأمور على ما يرام.
أما الأخطر من الالتهاب الرئوي المتأخر، فهو ما يمكن أن يحدثه استنشاق الفوسفور الأبيض في مراحل لاحقة، في بعض الحالات، من «لخبطة» في صحة المصاب، وقد يمتد هذا الخطر لسنوات. فالإصابة قد تؤثر في وقت لاحق، وربما بعد أشهر أو سنوات، على عمل الأعضاء الحيوية في الجسم، كالتغيرات التي تحدث لأنزيمات الكبد أو تسارع ضربات القلب أو غيرها من العوارض.
غالباً، ما تصنّف الإصابات بالفوسفور الأبيض بالخطرة، وفق بيانات تطلقها منظمة الصحة العالمية في كل مرحلة تستخدم فيها هذه المادة ضد المدنيين، لما لها من تأثيرات مباشرة أو متأخرة على صحة الإنسان. في التأثيرات المباشرة، والتي تحدث إما عن طريق الاستنشاق كما هي حال معظم المصابين في لبنان، أو عن طريق ملامسة الجلد أو العيون، يحتاج المصابون إلى العلاج الفوري. وتوضح الاختصاصية في علوم السموم وطب الطوارئ في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة ثروت الزهران، أن خطورة هذه المادة أنها تحترق على درجة حرارة لا تتخطى 39 درجة، ويتسبب تفاعل الفوسفور مع الحرارة والأوكسيجين في إحداث حروق حرارية وكيميائية عميقة».
لذلك، يُفترض أن يتم التعاطي مع المصابين بدقة شديدة، والخطوة الأولى تفترض وضع «كمادات مياه للمصاب تمهيداً لنقله إلى مركز العلاج، على أن يجرى له عند الوصول تشطيف بالمياه العادية أو بالماء والصابون، مع ضرورة الإبقاء على كمادات المياه كي يزول أثر الفوسفور الأبيض، وخصوصاً أنه يتفاعل مع الأوكسيجين وسيستمر احتراقه طالما هو موجود على الجلد». وتنسحب الدقة في التعاطي على العاملين في المجال الطبي والمسعفين، إذ تشير الزهران إلى ضرورة التزام من هم على تماسّ مباشر مع المصابين بهذه المادة بالتعليمات، منها «اللباس والذي يجب أن يكون مقاوماً للمواد الكيميائية لأنه قادر على اختراق الثياب العادية، وكذلك حماية اليدين بقفازات مماثلة».
ولذلك، في حال عدم التدخّل الفوري، تتسبب مادة الفوسفور الأبيض في حروق عميقة تحتاج إلى وقت طويل من العلاج، «وقد تؤدي في حالات أخرى إلى الموت»، وفق الزهران.
وبحسب دراسة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت مع بداية الحرب حول «الأثر الاجتماعي والبيئي والصحي لذخائر الفوسفور الأبيض المستخدمة في جنوب لبنان»، فإن «الأفراد الذين تتعرض جلودهم لتلامس مباشر مع الفوسفور الأبيض المشتعل، غالباً ما يعانون من حروق مؤلمة مع عواقب مميتة (…) حيث إن التركيب الكيميائي سامّ للغاية لدرجة أن الحروق التي تؤثر على 10% فقط من الجسم ستؤدي إلى وفاة الضحية». ولدى ملامسة العينين، يمكن أن تسبّب الأبخرة الناتجة منه «تهيّجاً شديداً ومن ثمّ تلفاً في العين»، فيما يعاني الأشخاص الذين يستنشقون هذه المادة من مضاعفات «مثل اضطرابات الجهاز التنفسي وتهيّجات الجهاز الهضمي وتشوّهات العظام». ونظراً إلى السمّية العالية للمادة، يتعرّض الناجون لمخاطر «فشل الأعضاء بما في ذلك القلب والكلى والكبد».
ولذلك، يحتاج الناجون من الفوسفور إلى رعاية طبية مكثفة ودورية لأنهم «يصبحون أكثر عرضة للإصابة بعدوى ثانوية ومشاكل صحية طويلة الأمد، وصولاً إلى الإعاقة».