هل تغيّر المزاج السني فعلاً تجاه “الحزب” بعد جبهة مساندة غزة؟
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
كثرت في الآونة الأخيرة التحليلات حول عدم حاجة حزب الله بعد الثامن من تشرين الأول إلى غطاء التيار الوطني الحر لسلاحه وحربه المساندة لغزة، لأن الحزب بدأ يكتسب الغطاء السني انطلاقاً من دفاعه عن شعب غزة وعن القضية الفلسطينية الأحب على قلوب الطائفة السنية، والدليل أن «قوات الفجر» التابعة لـ «الجماعة الإسلامية» انخرطت في القتال تحت راية حزب الله وسقط لها شهداء في الجنوب.
لا شك أن المزاج السني بدا متعاطفاً في أولى أيام المواجهات مع حزب الله، وهو مزاج لم يكن موجوداً منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري مروراً بحركة 7 أيار وصولاً إلى قتال الحزب في سوريا. وكان النفور يسود الشارع السني من ممارسات حزب الله ما دفع برئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى تركيز كل جهده على نبذ أي فتنة سنية شيعية ولو على حساب دوره وتحالفاته السياسية.
وبعد تعليق سعد الحريري عمله السياسي، وسّع حزب الله حراكه في اتجاه الطائفة السنية لاستمالة عدد من وجوهها مستفيداً من غياب المرجعية السياسية علّه يحقق اختراقاً في داخلها ويعوّض عن غياب الغطاء المسيحي. وقد تمكّن حزب الله من الفوز بمقعدين سنيين في دائرة بعلبك الهرمل إنضما إلى كتلة «الوفاء للمقاومة» فيما دعم انتخاب ستة نواب سنّة بين الشمال والبقاع الغربي، وحيّد نواباً سنة كانوا يدورون في فلك «تيار المستقبل» سابقاً وحال دون انضمامهم إلى قوى المعارضة والتصويت بوضوح في انتخابات رئاسة الجمهورية لا لمصلحة المرشح ميشال معوض ولا لمرشح التقاطع الوزير السابق جهاد أزعور.
اما مَن ابتعد في خياراته عن حزب الله كأمين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد، فقد لوحظ أخيراً محاولات لتطويقه في داخل مدينة صيدا والإعداد لمحاولة انقلابية في قلب التنظيم من خلال انشقاق النائب ملحم الحجيري الذي كان عضواً في كتلة «الوفاء للمقاومة» عن بلدة عرسال ومعه علي الحر ومحمد بتكجي ومحمد البزري الذين عقدوا مؤتمراً صحافياً لتأسيس حركة ناصرية جديدة هدفها دعم حزب الله بعد تمايز أسامة سعد الذي لقي في المقابل دعماً من النائبة بهية الحريري التي زارته برفقة نجلها أمين عام «تيار المستقبل» أحمد الحريري.
أكثر من ذلك، سعى حزب الله إلى التحرك على خط بعض المشايخ السنة وتحريضهم على مهاجمة قوى المعارضة وفي طليعتها «القوات اللبنانية». وقد تولى أحد هؤلاء المشايخ ويُدعى حسن مرعب مهاجمة «القوات» الرافضة جرّ لبنان إلى الحرب وأكد الوقوف «كتفاً إلى كتف إلى جانب حزب الله». ثم وجّه رسالة إلى السيد حسن نصرالله جاء فيها: «الآن وقبل نهاية المعركة لا تخشى لومة لائم ونحن معك وإلى جانبك» مضيفاً «لن يكون السنّة في لبنان خنجراً يطعن خاصرة حزب الله في حربه مع الكيان بل نحن معه وندعمه حتى النهاية». إلا أن مواقف الشيخ مرعب لم ترُق كثيراً لدار الفتوى التي كما تردد منعته من الادلاء بخطب سياسية من دون أن يلتزم بالتوجيهات.
وفي مواجهة هذه الظواهر على الساحة السنية، برز تطوران: الأول هو إعادة انتخاب الشيخ سالم الرافعي المعروف بخصومته مع حزب الله رئيساً لـ «هيئة العلماء المسلمين». وقد جاء هذا الانتخاب في محاولة لإعادة التوازن في الشارع السني بعد انخراط «الجماعة الإسلامية» إلى جانب حزب الله. واللافت أن الرافعي بادر فور انتخابه لزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون في توقيت له دلالاته. ووفقاً للمعلومات فقد أكد الرافعي على التمسك بالدولة ورفض أي سلاح خارج إطار مؤسساتها.
أما التطور الثاني فهو دخول أمين سر دار الفتوى السابق رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط على الخط وتوجيه الانتقادات إلى إيران وحزب الله، معتبراً «أن المعركة مع إسرائيل يقررها حزب الله وميليشيا الحرس الثوري الإيراني ويقودها المرشد علي خامنئي». وقال «صحيح إن إسرائيل تنتهك السيادة اللبنانية وحقوق الإنسان في غزة وفلسطين، ولكن في الوقت عينه السيادة في لبنان مفقودة في ظل وجود سلاح غير سلاح الجيش، وقرار السلم والحرب في لبنان الذي هو ليس بيد الدولة اللبنانية إنما بيد فصيل أو حركة أو تنظيم» وسأل: «ما دور الدولة اللبنانية والجيش في أنفاق حزب الله؟ رافضاً «مَن يزايد عليه في معاداة المشروع الصهيوني التلمودي ومواجهته ومقاتلته» قائلاً «أنا من قاتلته شخصياً عام 1982 في شوارع بيروت وسقط معي وحولي الشهداء الأخيار وقادة المقاومة الفلسطينية وبعض المقاومين من أبناء بيروت ما زالوا أحياء يرزقون».
انطلاقاً من ذلك، وقبل أن تثير تغريدة الإمام علي خامنئي ضجة بحديثه عن أن «المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية لا تنتهي أبداً» تستغرب أوساط سنية الترويج لتغيّر المزاج السني تجاه حزب الله على الرغم من التأييد الكبير للشعب الفلسطيني في مواجهة الإجرام الإسرائيلي، وتعتبر هذه الأوساط الحديث عن تأثير التحالف بين الحزب و«الجماعة الإسلامية» أمراً مبالغاً به لأن انتشار «الجماعة» على الساحة السنية محدود وغير قادر على محو التباعد الموجود مع الحزب نتيجة ارتكاباته السابقة. وتختم الأوساط «السنّي لن يتخلى عن منطق الدولة وما حصل في الجنوب لم يدعم الاخوة الفلسطينيين، وحتى الجماعة الإسلامية بدأت تعيد النظر بإنخراطها في المواجهات».