“مشروع تفاهم” بين بري وباسيل لتعيين قائد للجيش؟
تبدو الأمور ذاهبة نحو مسار إيجابي بين عين التينة وميرنا الشالوحي، حيث يخوض الجانبان، منذ أسابيع، حواراً صريحاً بعيداً عن الضجيج، من المرجح أن يسفر في نهايته عن “سلّة تفاهمات” لحل بعض العقد. وإن سلّمنا أن موضوع رئاسة الجمهورية أصبح مرتبطاً بالوضع الإقليمي بشكل عام ويحتاج إلى تدخلات أكبر، فضلاً عن تعقيدات الوضع اللبناني الداخلي وفي جزء منه خريطة التموضعات ضمن مجلس النواب، فإن ذلك على أهميته، لا يجب أن يؤدي إلى عراقيل أو شلل على مستوى ملفات داهمة، من بينها الوضع المستقبلي لقيادة الجيش أو التعيينات التي أصبحت ملحّة في مواقع أساسية عسكرية، أمنية ومدنية، أو حتى مستقبل مشاركة وزراء “التيار الوطني الحر” في جلسات مجلس الوزراء.
وفق المعلومات، قطع النقاش بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار” النائب جبران باسيل شوطاً في ما خصّ هذه القضايا، وثمة “مشاريع تفاهم” وضعت “على السكّة” حول تسيير شؤون الناس والإدارة، من غير تجاهل مدى أهمية ملف رئاسة الجمهورية. أما ترجمتها فتبقى رهن النقاشات والتعمّق فيها.
تقول مصادر مقربة من الطرفين، إن احتمالات التوصل إلى تفاهمات مشتركة تترجم لاحقاً إلى اتفاقات “مرتفعة جداً”، وتغذيها التطورات الإقليمية والجنوبية المتسارعة، إذ لا أحد يضمن إلى أين سوف تتجه الأمور. زِد على ذلك أن ثمة ملفات شائكة وحساسة بدأت تدهم المشهد المحلي وتحتاج إلى حلول، ولا يمكن رهن البلد كله بانتظار حل الملف الرئاسي الذي يبدو مقيداً بالكامل.
لعلّ هذه الإشارة تعطي انطباعاً بأن الملف الرئاسي رُحِّل إلى ما بعد حل الوضع الراهن في غزة أو جنوب لبنان، ما بات مختلف الأفرقاء في صورته. أمّا الأمر الأسوأ، فيتموضع في احتمالات العودة إلى التشدّد الرئاسي على الشكل الذي ساد منذ ما قبل 7 تشرين الأول 2023. عملاً بذلك، يطغى على موقف بعض الأطراف، منذ مدة، حديث حول ضرورات الذهاب إلى “حالة إنتقالية” على صعيد الأمن والإدارة، شرط أن تكون مقيّدة بتفاهمات سياسية على أساس فترة زمنية مؤقتة لغاية بلوغ الإنتخابات الرئاسية.
لعل أبرز إشارة عن عمق التقارب بين بري وباسيل، قيام الأخير بدور “المسوِّق” لدعوة رئيس المجلس للحوار بوصفها الحل الأمثل للمعارضة كي يتم التفاهم معها حول رئيس للجمهورية. قالها جبران صراحة متوجهاً إلى المعارضة على نية جعل “فكرة بري” منطلقاً لطرح “الخيار الثالث”، لكنه وجد أن المعارضة “غير مستعدة” لأي بحث في ظل التموضع الراهن وارتباطات بعض أجنحتها. ويبدو أن باسيل ذهب إلى البحث عن تفاهمات من خارج “إصطفاف المعارضة” من دون أن “يقطع” معها.
هذا التقارب يتخفّى خلف “قشرة رقيقة” تُحاكي المسار الذي قد يبلغه بري وباسيل. فاللقاءات بينهما لا تتم على مبدأ التشاور بعيداً عن المشكلات، إنما التعمّق فيها وإيجاد حلول لها. وأخيراً طغى على البحث ملف قيادة الجيش بوصفها “حلقة أساسية” في حل العقد، إلى جانب المؤشرات التي توحي باحتمالات الإنفجار في المؤسسة بين الضباط، نتيجةً للضغط المتمثل في السياسات التي ينتهجها قائد الجيش منذ مدة، وليس بعيداً عنها ما يجري في حق وزير الدفاع. ولا شك في أن بعض الإجراءات التي اتخذت في قيادة الجيش وصلت أصداؤها إلى عين التينة، وجاء موقفها سلبياً منها، لا سيما وأننا نعيش حالة حرب في الجنوب، فيما الجيش منشغل بتصفية الحسابات بين بعض أركانه وتنصرف قيادته إلى تبنّي سياسات إنتقامية أو أنشطة بعيدة كل البعد عن دورها. على هذا الأساس، كان ثمة طرح من جانب جبران باسيل لوضع قيادة الجيش، ومن ضمنها مصير قائده العماد عون (تنتهي ولايته الممدّدة ويحال إلى التقاعد بتاريخ 10-1-2025) موضع النقاش، قوبل بطرح “أشمل” لضم ملفات المؤسسة العسكرية كافةً إلى سلّة البحث، من ضمنها مسألة رئيس الأركان اللواء حسان عودة، ودور وزير الدفاع موريس سليم وملف الدورة العالقة في الكلية الحربية وغيرها.
ثمة مسألة أساسية. فالذهاب إلى طرح ملف قيادة الجيش بمعزل عن ملف التعيينات ضمن الشواغر في المواقع الأمنية أو المدنية لا يستقيم. لذلك يعتقد على نطاق واسع، أن فتح ملف قيادة الجيش سوف يأتي من ضمن “سلّة” تشمل المواقع الشاغرة.
بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، تقوم إحدى الأفكار التي طرحها باسيل على بري، أن يُصار إلى تعيين قائد جديد للجيش من ضمن سلّة تفاهمات تقود إلى إجراء تعيينات بالتفاهم على مستوى الأمن والإدارة، شرط ضمان حصّة “التيار” فيها. ويُحكى أن باسيل طرح مجموعة أسماء يرشّحها لمنصب العماد على رأسهم قائد منطقة الجنوب سابقاً العميد مارون قبياتي، علماً أن قبياتي قد صدر بحقه قرار من قائد الجيش قضى بوضعه بالتصرّف، ما يوحي أن “القائد”، ربما وصلته معطيات حول جدية “طرح قبياتي”. أضف إلى ذلك أن أي إجراء مماثل في قيادة الجيش يحتاج إلى تغطية بكركي، فهل يضمن باسيل تأييد البطريرك بشارة الراعي؟
في مقابل فكرة التوصل إلى تفاهم حول التعيينات، تطرح نظرية بديلة تتمثل في “قوننة” وضع رئيس الأركان وملء الشواغر في المجلس العسكري، ما من شأنه تسيير شؤون المؤسسة العسكرية من خلال ذهاب الحكومة إلى إصدار مرسوم التعيين ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً من ضمن اتفاق مع “التيار الوطني الحر” يسير فيه وزير الدفاع ويشمل “فك وزراء التيار” إعتكافهم عن حضور جلسات مجلس الوزراء. وفي أسوأ الأحوال تبقى التخريجة متوفرة في “مشروع القانون” المقدم من النائب بلال عبدالله لتأخير سن تقاعد الضباط والموظفين الذي قدم في توقيت مدروس تتوفر فيه كافة احتمالات “الخطة باء”.
العبور إلى هذه المرحلة يحتاج إلى “سلة تفاهمات” بين الجانبين، يبدو أن بري يعمل عليها بهدوء وصمت، لا تقتصر فقط على أخذ موافقة على مشاركة الوزراء “العونيين” في جلسات حكومة تصريف الأعمال التي يدعو إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إنما تبلغ أيضاً ترتيبات لها علاقة بضمانات يقدمها باسيل للمشاركة أيضاً في جلسات تشريح الضرورة متى يدعو إليها رئيس المجلس.
غير أن العالم بشخصية جبران باسيل ورغباته، لا يخرج من فكرة أن باسيل إن نوى على تقديم أي شيء يريد مقابله. ويحكى على أن مشروع التفاهم مع بري، يضمن بندين إلى رئيس المجلس وحلفائه ويذهب بندان آخران إلى مصلحة باسيل وتياره على قاعدة “التكافوء والتوازن”، فينال باسيل ضمانة في حفظ مواقع العونيين في السلطة، ما يمثل عملياً “بند مفتاح”، إنتقالاً إلى مسار تعيينات بمشاركة من وزراء “التيار”، فيما البند الأخير يرتبط بمطلب باسيل “تفهّم موقفه” من مسألة حرب غزة وجبهة المساندة التي افتتحها “حزب الله” جنوباً، مع تأكيد جبران مراعاته للأخير، وهو ما ذهب إليه في تصريحات وخطابات أخيراً.