الرئاسة والنزوح والجنوب: الصيف يزداد سخونةً
كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”: يتّضح عمق الأزمة اللبنانية يوماً بعد يوم. ولا تقف الأمور عند حدود ملف من هنا أو إشكالية من هناك، بل تصل إلى حدّ تهديد الكيان. ولا تستطيع القوى السياسية إبتكار الحلول بسبب العجز من جهة وعدم وصول إشارات إقليمية من جهة ثانية. وبدل الإنصراف إلى محاولة الإستفادة من الموسم السياحي، تتراكم الملفات الخلافية والنتيجة واحدة وهي أن الجمهورية بلا رأس.
تُعتبر السياحة نفط لبنان ومصدر عيش طبقة مهمة من اللبنانيين، لكن الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية تضرب هذا القطاع وهناك إجماع بأن هذا الموسم ليس كما العام الماضي، ما يدل على تأثير الأزمات على الواقع اللبناني.
ولا يمكن التركيز على أزمة واحدة وإهمال باقي الأزمات. ويبقى ملف الرئاسة هو البارز، وكل ما يحصل يكشف عن نوايا بعدم إجراء الإنتخابات الرئاسية. ويتمسّك “الثنائي الشيعي” بتعطيل الجلسات إلى حين قدرته على فرض مرشحه، أي رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية. ولا يبدو وجود مؤشرات عن تراجع المعارضة أو قبولها بفرنجية تحت شعار “ع بعبدا ما بفوتوا”. وبعد ترسيم خطوط التماس الرئاسية تسقط المبادرات الواحدة تلو الأخرى، فبعد إصطدام مبادرة تكتل “الإعتدال الوطني” بحائط رفض “الثنائي الشيعي”، من المتوقع أن تلاقي مبادرتا “اللقاء الديموقراطي” و”التيار الوطني الحرّ” المصير نفسه.
ولم يمنح الخارج الوقت الكافي للبنان وأزماته، وطالما يقتصر نشاط اللجنة الخُماسية على اللقاءات والبيانات، فهذا يعني عدم القدرة على انتخاب رئيس في الوقت الحالي.
موضوع آخر لا يقل أهمية عن الرئاسة وهو ملف النزوح السوري، ولا يظهر أي وجود لأي خطة عملية للحكومة لإعادة النازحين إلى بلادهم على رغم كل المحاولات الجارية، وحتى في ملف ضبط النزوح هناك تقصير لا مثيل له، وعلى سبيل المثال، لا يستطيع أي أجنبي العمل مثلاً في أوروبا أو أميركا أو أي بلد عربي بلا إجازة عمل، بينما يعمل السوري في لبنان بشكل غير قانوني. ومن ناحية ثانية لا يستطيع أي لبناني ضمّ عائلته إذا كان يعمل في أوروبا أو أوستراليا من دون حصولهم على إقامات، بينما في لبنان هناك بدعة وهي إذا كان الأب شرعياً فكل العائلة تستطيع الإقامة والعمل.
وتُشكّل هذه الأمثلة عيّنات تدلّ على وجود عدم جدية في التعاطي مع ملف النزوح، بينما يتطلب الملف ترحيل كل سوري لا يستحوذ على إقامة، وأوراقه غير شرعية، ولم تستطع حكومة ميقاتي مواجهة المخططات الأوروبية بإبقاء النازحين في لبنان، وبالتالي لم تحزم الدولة أمرها بعد، وهذا الملف قد ينفجر في اي لحظة.
أما ملف الجنوب اللبناني فيمثّل القنبلة التي قد تنفجر وتدمر معها لبنان، وتتّسع رقعة المواجهات على الشريط الحدودي وفي العمق، وتعمل إسرائيل على إنشاء منطقة أمنية عازلة لا يكون فيها تواجد لـ”حزب الله”، وهذا الأمر قد يؤشر إلى إرتفاع وتيرة التوتر في أي لحظة واشتعال حرب شاملة.
وإذا كان “حزب الله” ذهب إلى الحرب بلا مشاورة أحد من الدولة أو بقية المكوّنات، فإنه يفاوض عبر الحكومة والرئيس نبيه برّي مع الأميركيين، ولم تصل المفاوضات مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى أي مكان ولم يحصل أي إتفاق على ملفات الحدود البرية والقرار 1701.
يبقى فتيل التفجير وارداً في الجنوب في أي لحظة، ويترافق هذا الأمر مع فوضى في الداخل وانفلاش سوري غير طبيعي وخرق للقوانيين إضافة إلى غياب رئيس الجمهورية وضعف الدولة وفقدانها هيبتها. وتفتح كل الإحتمالات على مصراعيها مع عدم قدرة الدولة على ضبط ساحتها، في وقت لم تصل المساعي الخارجية في ملف الرئاسة والجنوب إلى أي نتيجة، بينما يريد الخارج وخصوصاً الأوروبيون توطين السوريين في لبنان، ما يعني أن الصيف ساخن وقد يزداد سخونةً.