اكثر من مليار دولار خسارة هذا الصيف
ما يزيد على المليار دولار عدّاً ونقداً، تتأهّب لمغادرة ميزان المدفوعات إلى الخارج خلال موسم الصيف. هذا الرقم سينفقه اللبنانيون على شراء بطاقات السفر والإقامة في الفنادق، وفواتير الطعام والتنقل بين المدن، وفي أماكن السياحة واللهو المتوافرة بكثافة لدى أكثر الوجهات المقصودة لبنانياً مثل دبي وتركيا وقبرص واليونان وبعض أوروبا وآسيا.
بيد أن الخارجين من الوطن لاكتساب أوقات راحة وتنفّس بعيداً عن سوداوية الواقع الوطني يتسبّبون من غير قصد بتسرّب الدولارات إلى خارج الدورة الاقتصادية اللبنانية، وهم يقلّون كثيراً عن الموعود بمجيئهم إلى لبنان خلال الصيف الحالي، وإن كانت الحجوزات على متن الرحلات القادمة إلى بيروت بلغت نحو 90%.
فبرغم مظلة الحديد والنار التي تظلل الحدود الجنوبية، والقصف الذي يطاول بعض العمق الجنوبي والبقاعي أحياناً، ودويّ جدار الصوت المرعب يومياً، عدا عن الحرب النفسية التي تمارس “التبشير” بقدوم الحرب الشاملة، تكاد لا تخلو عائلة لبنانية من الاستعداد لاستقبال مغترب، نسيباً كان أو صديقاً. وهذا الأمر يزيد الأمل لدى المعنيّين بالشأنين المالي والنقدي بتحوّل ميزان المدفوعات إلى الفائض، مع ما يعكسه ذلك من استمرار الاستقرار في سعر الصرف، ومنح مصرف لبنان فرصة “تجميع” دولارات إضافية لصالح الاحتياطي، وتأمين مصاريف الدولة بالعملات الأجنبية، إذ يستمر العامل الاغترابي في رفد الاقتصاد اللبناني بالعملات الأجنبية إما مباشرة من خلال المساعدات العائلية، أو غير مباشرة من خلال الإصرار على السفر سنوياً إلى الربوع اللبنانية، وممارسة السياحة الداخلية بأوسع ما أمكن.
تشير إحصاءات حديثة لـ”بنك عوده” إلى أن الإيرادات السياحية الضائعة خلال فترة الستة أشهر منذ اندلاع الحرب، ناهزت المليار دولار على خلفية انخفاض متوسط عدد السياح بنسبة 24%. وقد قامت وكالة “ستاندرد أند بورز” باختبار التأثير الصافي لخسارة 10% أو 30% أو 70% من إيرادات السياحة على اقتصاد لبنان، علماً بأن البلاد تعتمد اعتماداً كبيراً على القطاع السياحي الذي يمثل 26% من إيرادات الحساب الجاري. فوفق السيناريو الأول، أشارت الوكالة الى أنه إذا تراجعت العائدات السياحية بنسبة 10% نتيجة الصراع، فسيتقلص الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنسبة 3%. أما السيناريو الثاني الذي يفترض تراجعاً في العائدات السياحية بنسبة 30%، فسينتج عنه تقلص في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10%، فيما يفترض السيناريو الثالث انخفاضاً في العائدات السياحية بنسبة 70% بما سينعكس تقلّصاً في الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنسبة 23%. وفي سياق الشح المستمر في العملات الأجنبية في لبنان، وانخفاض قيمة العملة بأكثر من 98% منذ عام 2019، والتضخم المفرط، والفراغ السياسي الذي طال أمده، فإن اقتصاد لبنان لا يتحمّل التخلي عن تدفق العملات الأجنبية من القطاع السياحي التي تُعدّ أبرز محرّكات النموّ للبلاد عموماً خصوصاً أن متوسط إنفاق السائح في لبنان يبلغ نحو 3 آلاف دولار.
اللبنانيون والسفر
تستمر ممارسة ثقافة السفر والسياحة خارج لبنان لدى اللبنانيين رسوخاً، برغم الأزمات الاقتصادية والمالية وسقوط النقد والمداخيل، واحتجاز الودائع في المصارف، ولا ضير لديهم في الوجهات، شرقاً كانت أو غرباً. فالخروج إلى بلاد الله الواسعة والاحتكاك المباشر بالشعوب الأخرى، والعيش موقتاً في أطر اجتماعية واقتصادية مستقرة ومختلفة، هو المبتغى والهدف لـ”تغيير الجوّ” وإعادة شحن الحياة الشخصية بالطاقة والقدرة.
ويؤكد نقيب أصحاب مكاتب السفر جان عبود أن وجهة اللبنانيين للسياحة تتركز كما المعتاد الى تركيا وجزرها واليونان وقبرص، بيد أن ارتفاع الأسعار في اليونان أخيراً جعل السيّاح اللبنانيين يتجهون أكثر نحو تركيا وتحديداً بودروم ومرمريس وأنطاليا.
ثمة طلب كبير على السفر الى تركيا، إذ ثمة نحو 11 رحلة طيران تتجه إليها أسبوعياً مع عدد ركاب يصل الى 10 آلاف راكب يسافرون الى مناطقها كافة. ويشير عبود الى أنه في الفترة الممتدة بين أول حزيران حتى آخر أيلول ثمة نحو 150 ألف سائح لبناني سيصلون الى الساحل التركي، عدا عن نحو 100 ألف سائح لبناني يقصدون اليونان وقبرص، بما يعني أن عدد السياح اللبنانيين الذين يزورون تلك البلاد يصل إلى نحو 250 ألف سائح.
وإن كان من الصعب تحديد التكلفة الإجمالية للرحلة السياحية على خلفية التفاوت والفروقات الكبيرة في أسعار الفنادق، يقدّر عبود أن ثمة نحو مليار دولار على الأقل ينفقها اللبنانيون خارج لبنان في موسم الصيف.
وفيما يتزامن موسم الحج هذه السنة مع انطلاق الموسم السياحي، يؤكد عبود أن “الكوتا” المخصّصة للبنان في موسم الحج هذه السنة لم تتخطّ 3000 لبناني. وتراوح تكلفة كل رحلة حج بين 3000 دولار و10000 دولار، وبمعدل وسطي يقارب الـ5000 دولار بما يعني أن قرابة 15 مليون دولار تخرج أيضاً من لبنان في موسم الحج.
السياحة الوافدة؟
وفي ما يخص السياحة الوافدة الى لبنان، يوضح عبود أن “الاعتداءات الإسرائيلية حدّت من نسب الإقبال على السفر الى لبنان. لكن حتى الآن، تبدو الارقام واعدة، إذ نسبة الحجوزات على الطائرات القادمة الى لبنان تبلغ نحو 90%”، لافتاً الى أن “عدد الطائرات التي تقلع وتهبط يومياً في بيروت نحو 77 طائرة (هبوط) و77 طائرة (إقلاع)، علماً بأن “ذروة الموسم تكون في آب، إذ يرتفع عدد الوافدين من 10 آلاف وافد الى 13 ألف وافد يومياً، غالبيتهم من اللبنانيين المغتربين الذين ينفقون كما السيّاح العرب والأجانب إن لم يكن أكثر”، علماً بأن ثمة تقديرات تشير الى أن حجم إنفاق المغتربين يناهز 2.5 مليار دولار في الموسم السياحي.