ما هو ثمن تحويل الطفولة إلى محتوى لكسب الـ”Like”؟
في كل مرة تتصفح فيها منصات التواصل الاجتماعي، لا بد من أنك تلاحظ الرغبة العارمة التي تجتاح بعض الأهالي في مشاركة الأخبار والصور والمعلومات المتعلقة بأطفالهم. بالطبع، يمثل الأبناء مدعاة فخر كبيرة بالنسبة لذويهم، الذين يعتبر العديد منهم المشاركة كوسيلة بريئة للتواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم وإبقائهم على اطلاع بما يحدث في حياة أطفالهم. إلا أنه ومع ذلك، تطرح هذه الممارسة سؤالاً كبيراً بشأن خصوصية الأطفال وآثارها السلبية عليهم.
“Syndrome Sharenting“
وفي هذا الإطار، استندت الإختصاصية في علم النفس العيادي، الأستاذة الجامعية وأمين عام الجمعية اللبنانية لعلم النفس كارول سعادة، على دراسات علمية عدة بشأن مشاركة الأهل صور أطفالهم الشخصية، لتصل إلى مصطلح “Syndrome Sharenting” وهو متلازمة تكاد تصبح وسواساً لنشر صور الأبناء بشكل مبالغ فيه.
وشددت سعادة في حديث لـ”لبنان 24″ على أن الحديث هنا لا يدور بطبيعة الحال عن الأهل الذين يشاركون صوراً من أعياد ميلاد أبنائهم أو مناسبات عائلية جميلة مثلاً، بل عن أولئك الذي أصبح لديهم سلوكاً قهرياً، أي يشعرون بانزعاج فائق ولا يستمتعون بالأوقات الجميلة مع أولادهم إلا في حال نشروا أي محتوى يتعلّق بصغارهم.
وقالت: “البعض يجني الأموال من خلال هذه الممارسات، بينما البعض الآخر يرغب فقط- وبطريقة قهرية- بمشاركة صور وحتى مشاكل أبنائه خلافاً لإرادتهم”.
كيف يصل الأهل لهذه المرحلة؟
وعن العوامل التي تصل بالأهل إلى هذه المرحلة، أكدت سعادة أن نرجسيتهم هي عامل أساسي أو شعورهم بأن أولادهم هم امتداد لهم أو من خلالهم يحققون نجاحاً معيناً يريدون دوماً التباهي به، وبالتالي لا يعبّر ذلك عن حبّهم لأبنائهم إنما يثبت إصابتهم بالنرجسية.
وأشارت سعادة إلى أن الملل هو عامل آخر قد يؤدي بالشخص غير المنتج إلى الشعور بأنه يؤدي مهمة ما من خلال نشر صور أبنائه ونشاطاتهم بشكل مفرط، مشددة على أن دراسات أكدت أن الفراغ في حياة الأهل قد يؤدي بهم إلى عيش حياة معينة من خلال مواقع التواصل الإجتماعي وتحديداً عبر أبنائهم.
أما التأثير على الأولاد فهو سلبي جداً بحسب ما أشارت إليه سعادة، التي أوضحت أن منشورات الأهل عنهم قد تتحوّل وسماً لن يتمكنوا مع الوقت من محوها مثل صور معينة، خاصة وأنه تمّ نشرها من دون موافقتهم.
وقالت إن هذا الأمر قد يفتح الباب على التنمر عليهم، وقد يؤثر سلباً على صورتهم الذاتية، مشيرة إلى أن ثقتهم بأنفسهم قد تصبح مرتبطة بعدد الإعجابات “Likes” أو التعليقات، وهي كلها أمور وهمية ورقمية إلا أنها قد تخلق سلوكاً نرجسياً في شخصية الأولاد.
مخاطر النشر المبالغ فيه
وفي هذا الإطار، حذرت سعادة من أن بعض الأهل يعمدون إلى نشر صور ذات معالم جنسية و”أكبر من عمرهم” من خلال حركات إيحائية وغير لائقة وعبر ملابس ومكياج لا يليق بأطفال، ما يستقطب أشخاصاً قد يستغلون هذه الصور والفيديوهات وقد يصل الأمر إلى ابتزاز الأولاد والتحرش بهم.
وختمت سعادة بالتنويه إلى أهمية بناء صورة الجسم الخاصة بالأطفال والمراهقين والتي تكون من خلال هذه الممارسات مثالية وغير حقيقية، إذ يعمد الكثير من الأهالي الذي يعيشون ويمارسون الـSharenting Syndrome” إلى نشر الصور الأجمل فقط لأولادهم وليس تلك العفوية التي تليق بعمرهم، ما يؤدي إلى رسم عالم رقمي ووهمي.وانطلاقا من هنا، حذرت من أنه قد تتشكل حالة من الفصام لدى الطفل بين العالم الوهمي الذي يعيشه ضمن عائلته وبين الواقع الذي لا يشبه ما يظهر في مواقع التواصل الإجتماعي. وقد يعاني مراهقون كثر من اضطرابات في سلوك الأكل، واضطرابات اكتئابية وقلقية عواقبها ستكون وخيمة جداً إذا لم يتمّ تلافيها باكراً.