إطلاق النار على السفارة الأميركيّة: تعدّدت الأسباب والخطر واحد

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
لم يكن ما فعله قيس سراج متوقّعاً، وهو ابن العائلة السورية المقيمة في البقاع منذ ما يزيد عن العشرين عاماً والتي تتمتّع بوضع مادي واجتماعي جيد، ولم يكن منخرطاً فعلياً في منظمات أو أطر متطرّفة، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن حقيقة ما جرى لهذا الشاب حتى يتحوّل إلى إرهابي يقوم بعملية عبثية من الناحية العملية وخطرة برسائلها السياسية والأمنية كونها موجّهة إلى واشنطن في لحظة احتدام إقليمي عنيف من غزّة إلى جنوب لبنان، ومن العراق إلى اليمن، بينما بدا إلصاق شعارات «داعش» على خوذة ولباس قيس شكلاً سيئاً من أشكال التزييف والإستحضار الفاشل لهذا التنظيم المعروف بأسلوبه الخاص بتنفيذ العمليات الإنغماسية.

في الشكل أولاً، يفترض بالمقاتلين الدواعش أنّ يتزوّدوا بالأحزمة الناسفة، وأن يتمتعوا بالإحتراف في الاقتحام والقتال وإيقاع الخسائر ثم تفجير أنفسهم لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر، وهذه المواصفات لم تكن متوافرة في قيس سراج الذي تحرّك وكأنّه دُمية يجري التحكّم بها عن بُعد، ولم يقم بأي مناورات خلال إطلاق النار، فهو لم يختبئ خلف سيارة أو حائط، بل بقي هائماً على وجهه يطلق النار على غير هدى إلى أن سقط مصاباً برصاص الجيش اللبناني.

يذكِّرُنا هذا المشهد بمن سُمّي «إنتحاري الكوستابرافا» الذي تعرّض للحقن بكمية كبيرة من المخدِّرات وجرى دفعه إلى ذلك المقهى في شارع الحمرا البيروتي العريق، ولكنّه لم ينفجر بحزامه الناسف آنذاك، وكما قامت الضجةُ انتهت، ولم يسمع أحد شيئاً عن ذلك الحادث الذي وقع في العام 2017 الحافل بالصدامات السياسية والتوترات الداخلية على خلفية تعديل قانون الإنتخاب وما حملته ولاية الرئيس ميشال عون من عوارض اختلال سياسية ودستورية.

لا نعرف إذا كان قيس سراج يعرف أنّه لم يكن بإمكانه تحقيق أيّ هدف أمني ذي قيمة باستثناء ما يحمله فعله من أبعاد سياسية كون حركته تأتي ضدّ السفارة الأميركية، فعملياً كان ما جرى عبثيّاً بالبعد الأمني، ومؤثّراً رغم عدم احترافيته بالبعد السياسي، فقد جرى خدش أمن سفارة الدولة العظمى مهما كانت حقيقة ما جرى.

تبرز نظريتان في مقاربة هذا الحدث:
النظرية الأولى
: أن يكون قيس مدفوعاً من مشغّلين تمكنوا من تطويعه واستغلاله حتى يصل إلى نقطة التماس عند جدران السفارة الأميركية، وهنا يجب البحث عن المستفيد والمستثمر المحتمل لهذا النوع من العمليات في ظلّ تصاعد التوتر في لبنان داخليّاً وعلى جبهة الجنوب.

النظرية الثانية: هي أن يكون قيس قد تحرّك بدافع ذاتي ناتج عن ما يرى أنّه تواطؤ أميركي مع جرائم الإبادة الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة، وهذا احتمال وارد بقوة، لكن تشوبه كتابة الشعارات الداعشية على خوذته باللغة الإنكليزية وإلصاق إسم «الدولة الإسلامية» على لباسه، فلو كان شخصاً متأثّراً فقط بالوضع الفلسطيني ما كان ليحتاج إلى مثل هذه الشعارات.

برز خطر آخر في كون قيس يحمل الجنسية السورية، وهذا ما هدّد بإعادة إشعال الفتنة بين اللاجئين السوريين وبين اللبنانيين، على غرار ما حصل بعد عملية اغتيال باسكال سليمان، وهنا يزداد منسوب المخاطر لأنّ هناك من يريد فعلاً وقوع هذا الصدام، واستثمر في سبيل حصوله ولكنّه لم ينجح حتى الساعة.

وإذا أردنا الربط بين الأحداث، فلا بدّ من التوقف عند إلقاء الجيش اللبناني القبض على مجموعة فتيان وشبّان في منطقة البداوي، بعضهم متأثر بأفكار متطرّفة وقام بأعمال مخلّة بالأمن، وتحرّك على مستوى فردي، حيث لا صلة لهم بتنظيمات إرهابية، لكنّ هذا يفتح الباب لنشوء حالات محلية تختلط فيها أعمال التشبيح بالتطرّف، وهو ما يُعرف بـ»الإحتطاب» الذي يجيز بموجبه هؤلاء لأنفسهم أن يقوموا بأعمال السطو والسلب لتمويل حركتهم الأمنية.

إنّ هذا التطوّر يوجب على دار الفتوى والحركات الإسلامية المعتدلة، بدءاً من الجماعة الإسلامية فجمعية الإتحاد والإرشاد والإصلاح وسائر الهيئات الدينية أن تقدِّم خطاباً دعوياً توعوياً واضحاً ضدّ الفكر المتطرّف، كما أنّ عليها تخصيص المزيد من الإمكانات لتخفيف تداعيات الفقر على المجتمعات المهمّشة في طرابلس وعكار وسائر المناطق، فالصمت يشجع الخارجين على المنطق والدين والوطن.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى