“الخُماسية” تحاول التوفيق حول “الآلية”: الرئاسة لم تنضج
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
يحذّر ديبلوماسيون ومسؤولون في دول عُظمى وكُبرى المعنيين في لبنان من أنّ وقف الحرب جنوباً ليس بالضرورة بيد «حزب الله». ففي حين أنّ «الحزب» ربط وقف حرب «المساندة» بانتهاء الحرب في غزة، إلّا أنّ إسرائيل لن تلتزم بوقف الحرب على «الحزب» ولبنان بمجرد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذ إنّها باتت تفصل جبهتها الشمالية عن تلك الجنوبية، وتربط وقف الحرب مع لبنان بمطالب ووضع جديد على الحدود، بمعزل عمّا إذا كانت الوسيلة التي تؤدّي إلى هذا الهدف هي الديبلوماسية أو الحرب الأوسع. هذا سبب إضافي يدفع إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، كما ينقل مسؤولون غربيون للدولة اللبنانية.
هلّل البعض لمهلة أيار التي حدّدها سفراء «اللجنة الخماسية» في بيروت بعد اجتماعهم الأخير، «مستبشرين» خيراً» بانتخاب رئيس للجمهورية بين أيار وحزيران 2023. لكن وبحسب ما أوضح أكثر من سفير عضو في هذه اللجنة لمن التقوهم من مسؤولين لبنانيين أخيراً، فإنّ هذه المهلة هي مهلة حض ودفع، وتحذير من أنّه بعد هذا التوقيت تدخل الولايات المتحدة الأميركية في زمن العطلة ثم الانتخابات، إذ هناك خشية من أن تُرحّل الانتخابات الرئاسية في لبنان إلى العام 2025، ما يعني مزيداً من عدم الاستقرار. عدا عن ذلك لا جديد يحرّك المياه الرئاسية الراكدة.
جهات سياسية التقت أحد سفراء «الخماسية» بعد صدور بيان اللجنة الأخير، وتركّز اللقاء على طريقة ترجمة هذا البيان والوصول إلى مساحة مشتركة بين الكتل المتباينة بعضها مع بعض، للتفاهم حول مسألة الانتخابات الرئاسية. ولا تزال «الخماسية» في مرحلة السعي والاستفسار ومحاولة التوفيق بين الأفرقاء، إذ إنّها لا تزال تصطدم بنقطتَي الخلاف نفسَيهما منذ بداية تحرّكها:
الأولى، الحوار: المعارضة ترفض الحوار المشروط السابق للجلسة الانتخابية بدورات متتالية. وتعتبر أنّ هذه محاولة لتكريس عرف مرفوض ومزيد من الانقلاب على الدستور وهذا ما لا يُمكن أن تقبل به. رئيس مجلس النواب نبيه بري وفريق 8 آذار مصرّان على اشتراط الحوار الذي يسبق الانتخاب. ولا تزال «الخماسية» تحاول على هذا المستوى، ولم تصل إلى أي نتيجة حتى الآن. حتى اقتراح كتلة «الاعتدال الوطني» الذي تحاول «الخماسية» أن تسير به، ويُختصر بـ»التداعي» ليومٍ واحد، يرفضه بري ويصرّ على أن يكون هو من «يدعو ويرأس». وأكدت أطراف أساسية في المعارضة لـ»الخماسية» عدم إمكانية حصول خضوع في هذه المسألة المبدئية التي لا يُمكن التراجع عنها.
وفي حين أنّ «الخماسية» تحاول أن تستبين إذا كانت هناك إمكانية للوصول إلى آلية يسير بها الجميع، غير أن لا إمكانية حتى الآن، بحسب مصادر مطّلعة، لأنّ الجميع متمسّكون بوجهات نظرهم.
نقطة الخلاف الثانية متعلّقة بالانتخاب: بري يحاول أن يمرّر عقد «جلسات» أي أن يغلق محضر كلّ جلسة بعد انتهائها. في المقابل، تقول المعارضة إنّ الدستور واضح بشقين بحيث لا حوار مُسبق بل جلسة مفتوحة. وتطالب بجلسة مفتوحة بدورات متتالية معتبرةً أن لا شيء اسمه «جلسات». وترى أنّ بري يتمسّك بهذه النقطة، لكي يبقى ممسكاً بزمام التعطيل بيده وباللعبة الرئاسية والدستورية، إذا اضطرّ للذهاب إلى عقد جلسات.
لكن الأمور لا تزال متوقفة عند العقبة الأولى فلم يجرِ تخطيها حتى الآن. ولا إمكانية لأي تنازل للمعارضة على صعيد الحوار، إذ إنّها تعتبر أنّها لحظة التوافق على هذا الحوار تكون سلّمت بوصاية عين التينة و»الشيعية السياسية» على انتخاب رئيس للجمهورية. إذ وفق حسابات «الثنائي الشيعي» هناك 27 نائباً شيعياً «مضمونون»، وبالتالي أي رئيس للمجلس سيكون ضمن هؤلاء. وإذا تمكّن «الثنائي» من إدخال عرف جديد يقضي بأن لا انتخابات تحصل من دون حوار مُسبق برئاسة رئيس المجلس، يصبح الحوار الذي يقوده رئيس المجلس هو المدخل للانتخاب وليس الدستور، ما يمكّن «الثنائي» من التحكم بالانتخاب. وتؤكد مصادر المعارضة «أنّنا لا يُمكن أن نعطيهم وصاية رئاسة المجلس على رئاسة الجمهورية».
إنطلاقاً من أنّ الاستحقاق الرئاسي لا يزال عالقاً في عنق الزجاجة نفسها، ترى جهات سياسية وديبلوماسية أن ليس هناك انتخابات رئاسية، فهذا الملف لم ينضج بعد، خصوصاً أنّ «حزب الله» لا يزال يقول: إمّا تنتخبون مرشحي، أو يربط موقفه الرئاسي بموضوع غزة والجنوب ويكون «مش فاضي» أن يدخل في بحث ونقاش وجدل خارج الحرب.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ الانتخابات تتطلّب ظرفاً، فيما هذا الظرف غير متوافر بالنسبة إلى «الثنائي الشيعي» بعد، لذلك يستمرّ في تشغيل أسطوانة الحوار نفسها. ولو أنّ هناك استعداداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكان تمّ ذلك بسهولة من دون حوار أو عراقيل، تماماً كما جرى إنضاج التوصية النيابية في ملف النازحين من خلال نقاشات وتشاورات بعيدة من الإعلام، وقبلها التمديد العسكري. وهذا ما يشير إلى أنّ المسألة غير ناضجة بعد.