خلفيات استبدال الضمان بالتأمين الخاص
كتبت ايفا أبي حيدر في الجمهورية: تقدّم بعض النواب بمشروع قانون يُحرّر أصحاب العمل من إلزامية تسجيل عمّالهم وموظفيهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مقابل فتح المجال أمام تَخييرهم ما بين البقاء بالضمان او التوجّه نحو التأمين مع شركات خاصة. فهل يُبصر هذا المشروع النور؟ وهل من انعكاسات سلبية له؟
رغم مرور أكثر من 4 سنوات على الأزمة المالية لا يزال الضمان الاجتماعي بعيداً من تقديم الخدمات الصحية بالمستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة، بحيث لا تزال التغطية الاستشفائية المقدّمة من قبله شبه رمزية مقارنةً مع كلفة الاستشفاء الفعلية، ما يضطر الأجير الى دفع فوارق غالباً ما تكون أكبر من طاقته على التحمّل. هذا الامر دفعَ النائب نعمة افرام الى تقديم اقتراح قانون يرمي إلى «تأمين تغطية صحية واستشفائية فعلية للأجراء عبر إتاحة خيار التأمين الخاص»، وقد كان بعض النواب الصناعيين مؤيدين لمشروع القانون هذا. وقبل رَفعه الى الأمانة العامة لمجلس النواب، عرض المشروع على الهيئات الاقتصادية التي كان لها بعض الملاحظات عليه.
وفي السياق، أكدت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» انّ الهيئات الاقتصادية لم تشارك في اعداد مشروع القانون هذا، وعندما عرض عليها أبدَت ملاحظاتها عليه، إذ اعتبرت انه لا يجوز تخيير الموظف بين الضمان والتأمين الخاص، لأنه ورغم قدرات الصندوق التي لا تزال محدودة فإنّ مروحة التقديمات التي يؤمّنها الضمان الاجتماعي تبقى أوسع من تلك التي ستأتي عبر التأمين الخاص، مثل امكانية استفادة بقية افراد عائلة الاجير من خدمة الاستشفاء والطبابة حيث يمكن لرب الأسرة ان يضمن أولاده وأهله، كما يقدّم الضمان تعويض نهاية الخدمة الى جانب المنح المدرسية… ورأت المصادر انّ المشروع المقدّم لا يزال يحتاج الى بعض التعديلات وليس الهدف منه القضاء على مؤسسة الضمان كما يروّج البعض، بل انّ جلّ ما يهمّنا تأمين طبابة واستشفاء افضل للأجير على غرار الدول المتقدمة.
وتعقيباً أكد نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين عضو الهيئات الاقتصادية زياد بكداش لـ«الجمهورية» انّ ما يهمنا اليوم هو التأمين على عمّالنا من الناحية الصحية والتعليم والتنقلات، علماً انّ مسؤولية ذلك تقع حصراً على الدولة وهي مَن تخلّى عن هذه الالتزامات منذ العام 2000 ورَمتها على عاتق القطاع الخاص. وأكد بكداش انّ ما يهمّنا هو ان يصبح صندوق الضمان الاجتماعي أفضل بكثير مما كان عليه عام 2019، وبرأينا هناك عدة خطوات مطلوبة من أهمها: رفع النسَب المتوجّب علينا دفعها لموظفينا مقابل ان تدفع الدولة المستحقات المتوجّبة عليها للصندوق، وان تلاحق المتقاعسين عن الدفع ليسددوا مستحقاتهم ايضاً، والأهم ملاحقة المكتومين والاقتصاد غير الشرعي. وأكد بكداش انه متى تأمّنت المداخيل من هؤلاء، فنحن مستعدون لسد الكسور المتبقية لتأمين الطبابة والاستشفاء لعمالنا 100%، لكن في الوضع الاقتصادي السيئ الذي نحن عليه اليوم ما عدنا قادرين على دفع فواتير الكهرباء عن المتخلفين عن الدفع، ودفع فواتير الضمان عن الذين يتهرّبون من ذلك، ودفع مدارس ونقليات وتعليم بَدل الدولة.
وذكر بكداش انه في العام 2019، أي قبل الأزمة، كان الاقتصاد غير الشرعي يشكّل نسبة 60%، عام 2022 انخفض هذا الرقم الى 15% لأن كل الضرائب كانت تحتسب وفق سعر 1500 ليرة للدولار، أما اليوم فقد تخطّت نسبة الاقتصاد غير الشرعي الـ 60% بعد رزمة الضرائب التي فرضتها الدولة. أضف الى انه في العام 2019 يمكن القول ان الوضع الاقتصادي كان مقبولاً بينما هو راهناً مُتراجع، بدليل انخفاض حجم اعمال غالبية المؤسسات التجارية الصناعية والسياحية والزراعية بين 25 و40% فكيف يمكن فَرض هذا الكَم من الضرائب في ظل هذا الواقع الاقتصادي؟ وهل الهدف من رفع الضرائب على القطاع الخاص الشرعي ضَربه على حساب تنمية الاقتصاد غير الشرعي؟
ورداً على سؤال، اكد بكداش ان لا مشكلة مع مؤسسات القطاع الخاص مُطلقاً في زيادة الحدّ الأدنى الرسمي للأجور إلى 18 مليون ليرة والتصريح عنه للضمان الاجتماعي، لا بل على العكس هي تعتقد انّ الرقم لا يَفي الاجير حقه ولا يحلّ له مشكلة الطبابة أو الاستشفاء أو التعليم التي ليس القطاع الخاص وحده مسؤولاً عنها، لذا المطلوب بذل المزيد من الجهود من قبل الضمان لِحَث الدولة على دفع موجباتها تجاه الاجير.