جهود رسمية لتنظيم النزوح شمالاً
كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
كيف يمكن تنظيم الوجود السوري في لبنان، ولا سيما في مناطق الشمال؟ سؤال كبير يُطرح في الآونة الأخيرة، مع الحديث المتنامي عن ضرورة وضع خطة عملية قابلة للتنفيذ، تبدأ بترحيل السوريين الذين لا يملكون أوراقاً رسمية، ويتواجدون بصورة غير شرعية على الأراضي اللبنانية.
لا شكّ في أن جريمة قتل منسق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان التي اتّهم فيها سوريون، أجّجت الحديث عن ضرورة ضبط هذا الملف والتسيّب الحاصل، إلّا أنّ ضبط وجود أكثر من مليوني نازح في لبنان لم يعد بالأمر السهل، خصوصاً أنّ هذه المسألة تعاملت معها الحكومة اللبنانية بشكل خاطئ من بداياتها. فالدولة التي سمحت للنازح بأن يسكن بين اللبنانيين ويمارس الأعمال المختلفة، ولم تضبط وجوده ضمن مخيمات معزولة، كما فعلت دول أخرى، لن يكون من السهل عليها الآن وهي تعيش وسط أزمة خانقة تنظيم كل هذه الفوضى التي اقترفتها بيدها.
عدد كبير من النازحين السوريين في مناطق الشمال يسكنون في بيوت، ويعملون في مهن أو لديهم محلات ومتاجر… والنسبة الأكبر تسكن في المخيمات، وتعمل بشكل أساسي في قطاع الزراعة، ولا سيما في عكار (السهل) والمنية والكورة، والأكثرية لا تملك أوراقاً رسمية، لدخولها خلسة إلى لبنان، في ظل تفلّت الحدود الشمالية بشكل كبير والنشاط اللافت لمافيات تهريب البشر هناك.
وفي ظل حديث لبنان الرسمي عن ضرورة تنظيم الوجود السوري أخيراً وتكليف البلديات بمهام وجهود في هذا الإطار، تقاسم الحدث الشمالي أمس مشهدان، يُعنيان بالوجود السوري في مناطق الشمال. في المشهد الأول، محافظ الشمال رمزي نهرا يُعاين مخيماً للنازحين في قرية «كوبّا» البترونية. وفي المشهد الثاني، كان محافظ عكار عماد اللبكي، واستكمالاً للإجتماع الذي عقده وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي مع محافظي المناطق الأسبوع الماضي، يترأس اجتماعاً في سراي حلبا، لرؤساء الإتحادات البلدية في عكار، في حضور أمينة السرّ العامة للمحافظة رولا البايع ورئيس قسم المحافظة لقمان الكردي.
أكّد اللبكي على رؤساء الإتحادات ضرورة أن ينقلوا ما اتفق عليه إلى بلدياتهم، وشدّد على أهمية التزام إجراء المسح بواسطة الإستمارة الصادرة عن الأمن العام، في كل بلدة وبلدية، مع ترك الحرّية لكل بلدية أن تأخذ القرار المناسب لكيفية التنظيم ضمن خصوصية كل بلدة، وضمن الضوابط والمرتكزات التي حدّدتها وزارة الداخلية في هذا الشأن.
وبالحديث عن هواجس البلديات ودور الدولة، يقول مرجع سياسي مطّلع في هذا السياق إنّ «الخطوة التالية بحسب منطق الأمور، يجب أن تكون ترحيل من هو غير شرعي بشكل فوري، وأن تكون الدولة حازمة في هذا الشأن ولو لمرّة، إذ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحكومة اللبنانية لا تملك الإجابة عن هواجس البلديات وعن الخطوة التالية، خصوصاً أنّه ليس لديها خطة واضحة لمسألة النزوح، يمكن بموجبها وعلى أساسها أن تخرج إلى المجتمع الدولي وتخاطبه، وتطالبه بأن يقوم بمسؤولياته».
وأضاف المرجع: «الحكومة اللبنانية لم تستكمل نقاشها الجدّي مع الجانب السوري، لتحديد الأماكن الآمنة في سوريا التي يمكن للنازح العودة إليها، ولا هي أخذت وعداً حقيقياً من السوريين باستقبال النازحين على أراضيهم والقيام بما يمليه عليهم واجبهم في شأنهم، ولا حدّدت ما تريده من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وإن كانت بالفعل تنوي ترحيل النازحين أم فقط غير الشرعي منهم، أم لا تنوي ذلك، وكل ما تقوم به مجرد هزّ العصا للمجتمع الدولي ليقدّم المساعدات».
وختم المرجع: «قضية النزوح مسألة صعبة وشائكة ومتشابكة، وأطراف الحل فيها كثر، والمطلوب أولاً ضبط النازحين وتحديد أماكن وجودهم وعملهم وكل ما يختصّ بهم، لكي تكون الخطوة التالية إعادة غير الشرعي منهم إلى حيث أتى، وعندها لن يتبقّى إلا أعداد قليلة يمكن للبنان تقبّلها في إطار العمل بالزراعة والبناء…».