تفاصيل جديدة عن تصفية سرور وفرقة “الإعدام الإسرائيلية”
كتب رضوان مرتضى في “الأخبار”:
بات مؤكّداً أن الموساد الإسرائيلي اغتال الصرّاف اللبناني محمد إبراهيم سرور (٥٧ عاماً) بعد استدراجه إلى فيللا في منطقة بيت مري نهار الخميس في 4 نيسان الجاري. فقد حدّدت التحقيقات البصمة الأمنية للاستخبارات الإسرائيلية، وحصلت القوى الأمنية على صور لعدد من منفّذي العملية، وحدّدت عدداً ممن تعاونوا معهم لوجستياً، وبينهم سوريون ولبنانيون، من دون أن يعرفوا بالضرورة تفاصيل العملية. فيما ترجّح التقديرات الأمنية أن مجموعة الاغتيال غادرت لبنان خلال ٢٤ ساعة من تنفيذ العملية.وكشفت مصادر قضائية لـ«الأخبار» أنّ العملية استغرقت ٤٠ دقيقة بين دخول سرور إلى الفيللا وخروج المنفّذين منها، ما يشير إلى أنّ الهدف كان محدداً بالحصول على هاتفه الخلوي وكلمة المرور واستجوابه تحت التعذيب قبل قتله. وترجّح مصادر التحقيق أن الاستخبارات الإسرائيلية تشتبه في أن سرور مسؤول عن التحويلات المالية بين الحرس الثوري الإسلامي في إيران وحركات المقاومة في فلسطين.
وأظهر تشريح الجثة إصابة سرور بتسع رصاصات في أنحاء مختلفة من جسده، من بينها إصابات في يديه ورجليه، ما يشير إلى أنّ من استجوبوه أطلقوا النار على أطرافه لإرغامه على الكلام وانتزاع معلومات منه قبل تصفيته. وعمد الجناة إلى وضع ملابس وقفازات ومسدسين من طراز «غلوك – 19» وكواتم صوت في أوعية مُلئت بالمياه وبمسحوق تنظيف لمحو البصمات الوراثية. وبعد تنظيف مسرح الجريمة من البصمات، نثروا مبلغ ٦٥٠٠ دولار فوق الجثة قبل أن يُغادروا، في ما يشبه «التعليمة» والتأكيد على أنّ الجريمة لم تكن بدافع السرقة، وإنما تدخل في سياق الحرب الأمنية بين إسرائيل ومحور المقاومة.
وأُدرج سرور، مع ثلاثة آخرين، منذ آب 2019، على لائحة العقوبات التي تصدرها وزارة الخزانة الأميركية، بتهمة تسهيل نقل أموال من إيران وتقديمهم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي وغيره إلى «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة حماس. ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي، عمدت الاستخبارات الإسرائيلية إلى تصفية نحو عشرين صرّافاً داخل قطاع غزة، وضبط الأمن التركي خلايا للموساد كانت تنشط في جمع معلومات عن صرّافين يحوّلون أموالاً إلى قطاع غزة.
وبيّنت التحقيقات أن سرور تلقى في الفترة الأخيرة اتصالاً من سيدة ادّعت أن اسمها زينب حمود، وأنها تنتظر حوالة مالية من العراق، طلبت منه إيصالها إلى منزلها في بيت مري بحجة أنها خضعت للتوّ لعملية جراحية. وبحسب مصادر مقرّبة من العائلة، فإن الضحية ارتاب بدايةً في الاتصال وفي كيفية حصول المدعوّة حمود على رقم هاتفه، و«ربما يكون سألها عن ذلك لاحقاً وأجابت بما بدّد شكوكه». وأفادت المصادر أن حمود اتصلت بسرور في إحدى المرات، وعندما أجابت ابنته أقفلت المتصلة الهاتف، قبل أن تستدرك وتتصل مرة أخرى لتسأل ما إذا كان الرقم يعود لسرور، فأجابت ابنته بالايجاب وبأن والدها ليس موجوداً. ولفتت إلى أن الضحية عمد في الأيام الأخيرة قبل مقتله إلى تثبيت كاميرا مراقبة قرب منزله لحماية دراجته النارية من السرقة، من دون أن يتأكد ما إذا كان ذلك حصل مصادفة أم بسبب تلقّيه تهديدات معينة أو ارتيابه بأمر ما.
الأربعاء، في 3 نيسان، قصد سرور مع ابن شقيقه منطقة بيت مري لإيصال قيمة الحوالة. ولدى وصوله اتصل بحمود فطلبت منه الدخول، وعندما أبلغها بأنه برفقة ابن شقيقه، قالت له إنها ستستقبله عند باب الفيللا، وهو ما حدث. وقال ابن شقيق الضحية للمحققين إن حمود قابلتهما عند باب الفيللا، وكانت تتحدث بـ«لهجة بعلبكية»، وإنه كان واضحاً أنها لم تكن بمفردها. وفي اليوم التالي، تلقى سرور اتصالاً من حمود تبلغه فيه بوصول حوالة جديدة لإيصالها إليها. وبالفعل، توجه سرور وحيداً هذه المرة إلى بيت مري. وأظهرت التحقيقات أنّ هاتف الضحية وهواتف المنفّذين أُغلقت فور وصول الأخير إلى الفيللا، فيما نفت مصادر التحقيق ما تردد عن استخدام سرور هاتفاً ورقماً جديدين. وتشير تقديرات المحققين إلى أنّ عناصر الموساد أرادوا الحصول على هاتف الصرّاف وكلمة المرور وتفاصيل عن أشخاص يحوّل إليهم أموالاً.
وكشفت التحقيقات أن عناصر المجموعة استأجروا الفيللا في بيت مري لمدة سنة مقابل 48 ألف دولار (أربعة آلاف دولار شهرياً)، وذلك عبر مكتب سمسرة أفاد صاحبه بأن «لهجة المستأجر سورية»، ولم يتبيّن أن لأصحاب الفيللا أيّ علاقة بالأمر. كما استخدم عناصر المجموعة في تنقلاتهم سيارة اشتروها بأغلى من سعرها بأربعة آلاف دولار. وفي إحدى المرات، تواصل «المستأجرون» مع مهندس إلكترونيات لسؤاله عن إمكانية تركيب كاميرا وجهاز لتحديد المواقع Gps داخل السيارة. وأبلغ المهندس المحققين أنه قابل سيدة «تتحدث بلهجة لبنانية»، وأن الأمر اقتصر على السؤال من دون أن يُكلف بالعمل.
«بعلبكية» استدرجت محمد سرور لتحصيل حوالات مالية والمنفذون غادروا لبنان فوراً ربما عبر البحر
ورجّحت المصادر أن تسفر التحقيقات عن توقيف متعاونين مع القتلة الذين غادروا لبنان فور تنفيذهم العملية. وساعدهم في ذلك التأخر أياماً في اكتشاف الجريمة، ما يجعل من إمكانية الوصول إليهم مهمة مستحيلة. فرغم إبلاغ عائلة سرور المعنيين باختفائه منذ يوم الخميس (4 نيسان)، لم تكتشف جُثته إلا نهار الثلاثاء التالي (9 نيسان)، مع أنّ الأجهزة الأمنية حددت مكان إقفال هاتفه في بيت مري، وأظهر تتبع كاميرات المراقبة أنه قاد دراجته إلى الفيللا التي دخلها ولم يخرج منها. إلا أن القضاء لم يعط إشارة قضائية بدخول الفيللا قبل يوم الثلاثاء.
وقالت مصادر التحقيق إن تنسيقاً يجري مع الأمن العام لتحدي هويات الجناة، وتجري مراجعة لصور المسافرين الذين غادروا في الفترة التي تلت العملية، من دون أن تستبعد إمكانية مغادرتهم عن طريق البحر.
وذكّرت المصادر بمحاولة اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس محمد حمدان في صيدا في ١٤ كانون الثاني ٢٠١٨ وباغتيال القيادي في «كتائب القسام» محمود المبحوح في أحد فنادق دبي في ١٩ كانون الثاني ٢٠١٠. وأشارت إلى أن الموساد يعتمد في مثل هذه العمليات على أفراده في التنفيذ، وعلى عملاء في الرصد والاستطلاع والخدمات اللوجستية، «وهؤلاء يمكن الوصول إليهم، رغم أن مرور سبعة أيام قبل اكتشاف الجريمة سيُصعّب الأمر كثيراً».