احذروا عصابات تأمين العاملات للمنازل.. مكاتب وهمية تسرق وتقتل وتغتصب!
منذ التسعينيات، بدأ لبنان باستقطاب العاملات الأجنبيات اللواتي يعملن داخل المنازل، ليشهد هذا العمل نموًا سريعًا على صعيد العائلات المقتدرة التي أنعشت هذا القطاع، وأمنت فرص عمل لمئات الآلاف منهن، كما وفّرت مصدر رزق للمكاتب التي أمنت بالتوازي فرص عمل مرتبطة بالأمر، حيث يسجّل لبنان أعلى نسبة في الشرق الاوسط لناحية استقدام العاملات اللواتي يعملن في المنازل أو قطاع الخدمات، ليتم التوجه عام 2006 إلى تنظيم هذا القطاع من خلال وضع معايير ومقاربات عقب إنشاء نقابة ضمت عددًا من المكاتب.
وكغيره من القطاعات، أثّرت أزمة لبنان الاقتصادية التي بدأت في أواخر العام 2019 بشكل مباشر على وتيرة استقدام العاملات، حيث انخفضت قيمة رواتبهن، ولم يعد باستطاعتهن أن يجارين الواقع الاقتصادي، إذ إنّ ما يحصلن عليه لا يكفي ثمن الطعام في بلادهن، علمًا أن العديد من العائلات إما استغنت عنهن او قللت من رواتبهن وعوضت الدولار بالليرة، لينتفي مع ذلك سبب مجيء العاملات إلى لبنان.
هذا ما يؤكّد عليه نقيب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزلية جوزيف صليبا الذي أشار إلى أن المرأة اللبنانية بشكل عام هي منخرطة بسوق العمل وهذا ما دفعها إلى تبني فكرة الحصول على المساعدة من قبل العاملات اللواتي يعملن في هذا المجال، هذا عدا عن ثقافة البيت اللبناني المرتب، والمفتوح أمام القريب والبعيد، ما يستدعي بطبيعة الحال الاستعانة بعاملة ضالعة بأعمال التنظيف والترتيب.
ويلفت صليبا خلال اتصل به إلى أنّ ما عزّز هذا القطاع أكثر قبل الازمة الحالية يتجلى بمحاولة الافراد سدّ النقص الحاصل بخدمات كان يفترض تقديمها من قبل الدولة، كرعاية كبار السن مثلا أو رعاية الطفل، إذ إنّ هذه الامور في لبنان غير مدعومة أو منظمة كما يجب، وهذا ما دفع باللبناني إلى اللجوء لاستقدام العاملات الاجنبيات وتعويض غياب المؤسسات العامة.
الواقع اليوم
وما بعد العام 2019 هو مختلف تمامًا عن ما قبله، حيث يوضح صليبا أن القطاع شهد تراجعًا كبيًرا في ما خصّ استقدام العاملات، إذ إن بعضا من اللبنانيين عجز عن تحمل تكاليف دفع التعويضات اللازمة للعاملات مع فقدان الليرة اللبنانية لقيمتها، وهذا ما دفعهم إلى إعادة العاملات إلى المكاتب أو السفارات التي أعادتهن إلى بلادهن.
صليبا أشار إلى أنّه ما قبل العام 2019، كان لبنان وبشكل سنويّ يشهد استقدام حوالى 100 ألف عاملة يتم تسجيلهن في وزارة العمل، إلا أن الارقام بدأت بالانحدار، حيث تراجعت خلال أول فترة من الازمة إلى حوالي 20% ووصلت إلى حدّ 30%، إلى أن تمكنت العائلات من جديد من جدولة نظام دفع أتعاب العاملة ضمن عملية الدولرة، مشددًا على أن القطاع خسر الطبقة الوسطى في لبنان والتي كان لها دور أساسي في استقطاب العاملات المنزلية، إلا أنّ الكلفة الحالية لاستقدام العاملات وكلفة المعاش التي يتوجب أن يتم دفعه لا قدرة لهؤلاء على تحمله.
أما عن البلاد التي يتم من خلالها استقطاب العاملات، فقد أشار صليبا إلى أن لبنان مؤخرًا وقّع اتفاقية مع أثيوبيا لناحية استقدام العاملات، بالاضافة إلى السعي لعقد اتفاقيات أخرى مع كل من أوغندا ومدغشقر. وعلى الرغم من تفضيل هؤلاء لبنان على أي بلد آخر، إلا أن ما يحصل من عمليات تجاوز للقانون دفعت بالبعض منهن للتفكير مرتين قبل المجيء إلى لبنان.
مكاتب تدير عصابات
بالعودة إلى جريمة القتل الأخيرة التي حصلت في الأشرفية فقد كشفت التحقيقات عن تورط خادمة من الجنسية السورية، وهي الرأس المدبر للجريمة، في عملية قتل لبناني بالتعاون مع عصابة مجهولة مؤلفة من سوريين إثنين، وبعد انتشار أخبار تفيد أن السورية تعمل في مكتب خدم، أكّدت نقابة استقدام العاملات المنزلية أن الشركة التي ورد اسمها والتي تعمل على استقطاب العاملات الاجنبيات للخدمة المنزلية ليس هناك أي وجود قانوني لها و غير مسجلة أصلا. في هذا السياق أكّد النقيب صليبا لـ”لبنان24″ أن هناك شركات وهمية تعمل على العديد من الجهات لناحية استهداف العائلات اللبنانية وتضليلها عبر إيقاعها بالإعلانات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغري رب المنزل بعرض أجورٍ منخفضة سواء يوميًا أو أسبوعيًا، إلا أنّ هذه المكاتب هي غير مرخص لها ؛ فالبعض منها هي شركات تنظيف وهمية، والبعض الآخر هي شركات تنظيف قانونية إنّما العمالة التي تتواجد داخلها هي غير قانونية، أي بكلمات الأخرى، تضم عاملات هربن من العمل، وهناك شكاوى بحقهن من قبل أرباب عملهن.
ولفت صليبا إلى أن ما حصل في الاشرفية يحصل في بيوت لبنانية أخرى، والأمر لا يقتصر على جنسية دون الاخرى، فهناك شبكات تخطّط من خلال إرسال العاملات إلى البيوت بعدما يدفع صاحب المنزل المال من دون وجود أي عقود أو صفقات رسمية، وهذا ما سيشكّل عائقًا كبيرًا أمام ملاحقة صاحب الشركة، إذ إنّ المستندات التي يسلمها هي بأغلبها وهمية.
ويعمد أصحاب هذه المكاتب الوهمية على الاتفاق مع العاملة على البقاء لفترة معينة، إلى أنّ يتم تأمين عملية نصب جديدة فتهرب العاملة، ويختفي صاحب المكتب، حيث لن يكون هناك أي قدرة على الوصول إليه.
وحذّر صليبا من أن خطط هؤلاء تكمن بعمليات السرقة، والقتل، وحتى الاغتصاب، إذ إنّ العاملة التي تتمتع بحرية التنقل والتنظيف والتفتيش بممتلكات المنزل، باستطاعتها الوصول إلى الأموال والذهب الموجود داخل الغرف، وبمجرد تمكن العاملة من الوصول إلى الغنيمة، فإن تواصلا سريعاً يتم مع الرأس المدبر للعملية الذي يحصل على كافة المعطيات، وفي الوقت المتفق عليه يدخل ويسرق المنزل.
عمل الوزارة هو المطلوب
حسب مصادر وزارة العمل فإن الوزير مصطفى بيرم يصرّ على ملاحقة كافة المكاتب الوهمية وغير الشرعية، كما تؤكّد المصادر أن كافة المكاتب التي يكون لوزارة العمل وصاية عليها فإنّ الوزير يشدّد على ضرورة تطبيق كافة القوانين والمعايير داخلها. وهذا ما يؤكّد أيضا عليه صليبا إذ يشيد بدور وزارة العمل التي هي على استعداد لمحاسبة أي مكتب يقع ضمن نطاق وصايتها. ويلفت صليبا إلى أن وزارة العمل في الحكومة الحالية تقوم بعمل جبّار على عكس الحكومات السابقة، والوزير يصرّ على إعطاء صورة مختلفة عن البلد، إلا أن لا سلطة له على المكاتب والمؤسسات غير الشرعية التي تشوه الانجازات. وهنا يأتي حسب صليبا دور التفتيش داخل وزارة العمل الذي من الممكن أن يلعب الدور المطلوب، إلا أن عدد المفتيشين غير كاف. وطالب صليبا الأمن العام اللبناني أن يضع هذا الملف على طاولته ويقوم بكل ما يلزم لأن هذه الشبكات باتت تشكّل خطرًا على العائلات اللبنانية، وذلك من خلال تغريم ومحاسبة كل فرد أو مؤسسة غير شرعية على أساس الموازنة الأخيرة التي صدرت.
بالتوازي، يؤكّد النقيب جوزيف صليبا أن النقابة تتابع وبشكل حثيث موضوع ملاحقة المكاتب غير الشرعية والوهمية بالتفاصيل الدقيقة، مشيرًا إلى أنّ أي مكتب يقوم بعمليات السمسرة ومنها بيع الموافقات المسبقة ستسعى النقابة لملاحقته.
وحسب مصادر وزارة العمل، علم “لبنان24” أن الوزير أغلق إلى حدّ اليوم ما يقارب 70 مكتبا، وهذا ما لاقى استحسانًا لدى المكاتب الشرعية التي أثنت على دور الوزير الذي أكّد حسب المصدر أنّه لن يتساهل أبدًا بفرض العقوبات اللازمة لردع البيئة الحاضنة لهذه المكاتب.