التضخم “طلوع” والقوة الشرائيّة “نزول”… وأسعار المواد الغذائيّة “تحلّق” بشكل هستيري
مما لا شك فيه، ان الأزمة النقدية تعتبر من أكبر التحديات التي يواجهها لبنان منذ حوالى الـ 4 سنوات، والتي ادت الى تدهور قيمة العملة الوطنية، وتراجع سيطرة مصرف لبنان على السوق المالية. بالإضافة الى كل ما تقدم، يعاني النظام المالي من نقص في التمويل الأجنبي، وتراكم الديون العامة والمشكلات الهيكلية العميقة، في ظل غياب الإصلاحات الحكومية. ووفقا لخبراء في المجال الاقتصادي، تشمل أعراض الأزمة النقدية تراجع المخزون النقدي، ونقص الدولارات، وارتفاع سعر الصرف، مما يدفع إلى تضخم سريع وانخفاض قوة الشراء.
الى جانب ذلك، أدت الأسعار المرتفعة دورا في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، لذلك يضطر الكثيرون إلى إنفاق مبالغ أعلى لشراء الطعام الأساسي والضروري، وهذا قلص من استطاعتهم على ابتياع المزيد من المنتجات الأخرى وتلبية المصروفات اليومية الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية وانخفاض مستوى معيشتهم.
تأثير الأزمة النقدية في أسعار الغذاء
فوق ذلك، يقاسي اللبنانيون من تصاعد كبير في أسعار البضائع المستوردة وتلك محلية الصنع وحتى الهجينة، بحيث تراوحت نسبة الاضافة في بعض الاصناف الأساسية، مثل الأرز والسكر والزيت بين 200% و300%. وتبرّر هذه الزيادة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوريد وزيادة الطلب على السلع الغذائية.
ارتدادات خطرة!
على مقلب آخر، تأثرت جميع المجالات بشكل كبير نتيجة استفحال الكارثة في القطاع الاقتصادي المحلي، بدءا من الصناعة والزراعة وصولاً إلى السياحة والتجارة. وتزايدت معدلات البطالة، وتقهقرت الحالة المعيشية للعديد من العائلات، حيث تعاظم التضخم والفقر وأصبحت الخدمات الأساسية غير ميسورة الثمن، لا سيما بعد إقرار الموازنة العامة التي فرضت ضرائب مضاعفة على اللبنانيين. فوق ذلك تقلصت الاستثمارات الأجنبية وتراجع الاقتصاد اللبناني بشكل عام، وهذه العوامل عززت من تفاقم الأحوال المعيشية، وفرضت المزيد من التحديات في مختلف نواحي الحياة.
صحة الاجيال بخطر!
في سياق متصل، أوضح اختصاصي التغذية طه مريود لـ “الديار” ان “ارتفاع أسعار المواد الغذائية يمكن أن يؤثر بشكل كبير في التغذية السليمة للأطفال والصحة العامة عموماً، بحيث إذا كانت الأسر غير قادرة على توفير الغذاء الكافي والمتوازن بسبب تعاظم الاسعار، فذلك قد يؤدي إلى نقص التغذية، والذي بدوره يمكن أن يؤثر سلبا في صحة الاجنة وحديثي الولادة، ويعطل نموهم وتطورهم بشكل صحيح”.
وقال: “على المدى الطويل، ينتج من التجويع العديد من المشكلات الصحية الخطرة، مثل زيادة معدلات الوفيات، والإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب، بما في ذلك الانعكاسات النفسية والاجتماعية السلبية لهذه الحالة. لذلك فان نقص التغذية قد يدمر التنمية الاقتصادية للمجتمعات، وبالتالي يؤثر في إنتاجية العمالة وقدراتهم على العمل”.
أضاف: “من المهم تبني سياسات وبرامج تهدف إلى تخفيف سطوة ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الأسر وخاصة الأطفال، من خلال توفير الدعم الاقتصادي والاجتماعي اللازم لهم، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بأهمية التغذية السليمة وتوفير الغذاء الصحي بأسعار معقولة”. واكد “ان سوء التغذية بجميع اشكاله يتسبب بالتقزم او قصر القامة الشديد مقارنة بعمر الشخص”.
وجبات اقل للاستمرار!
وأشار الى “ان عدم استقرار أسعار المواد الغذائية يؤثر في مستوى المعيشة للأفراد بشكل كبير، بحيث إذا كانت باهظة الثمن يعني أن المواطنين سيكونون عرضة للحصول على كميات أقل من الغذاء اللازم لهم ولعائلاتهم. لذلك يفرض عليهم تقليل الحصص أو تخطي بعض الوجبات تماما، وهذا ينعكس على صحتهم وطاقتهم للقيام بمهامهم اليومية بكفاءة. وبالتالي، يحدث تدهور في مستوى معيشة المواطن اللبناني بشكل عام”.
التلاعب بالأسعار ضاعف الفقر والعوز
بالموازاة، قال مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية لـ “الديار” ان “ارتفاع أسعار المواد الغذائية تسبب في زيادة مستوى الاملاق والحرمان في كل شرائح المجتمع اللبناني. لذلك عندما تصبح المواد الغذائية غير متاحة بسبب ارتفاع الأسعار، يكون الأشخاص ذوي الدخل المنخفض أكثر تأثرا، وقد يلجأ البعض منهم إلى الاستدانة أو بيع الممتلكات الثمينة لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبالتالي، يزداد عبء الشظف على الأسر والأفراد، وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء”.
الفروقات في الأسعار
من جهتها، تقوم وزارة الزراعة بإعداد جدول اسبوعي يضم أسعار الجملة والمبيع بالتجزئة، لأسعار لحوم المواشي والدواجن والخضر والفاكهة في أسواق الجملة والمتاجر الكبرى والمحلات الصغيرة.
لذلك قامت “الديار” بجولة ميدانية، وتقصت وقارنت بين اسعار “الزراعة” والأسعار المتداولة في “السوبرماركات”، فاتضح ان التفاوت كبير، فمثلا:
-سعر الخسة الجيدة بحسب “الزراعة” 75 ألف ليرة والوسط بـ 46.667 ليرة، في حين تباع في المتاجر والمحلات بـ 120 ألف ليرة لبنانية.
-الباذنجان الطويل سعره بحسب الوزارة 1.5,714 ليرة لبنانية، في حين يباع في الأسواق بـ 120 و130 ألف ليرة، وبحالة اقل من وسط.
-اللحوم الطازجة سعر التجزئة سجل وفقا للزراعة 1,007,143 ل.ل، بيد انه يباع في “السوبرماركات” بحدود الـ 1,700,000 ل.ل، وهذا الامر يُقاس على الدواجن والبيض.
وبخصوص هذا التباين في الاسعار، قالت مصادر في وزارة الزراعة لـ “الديار” ان “عملية المحاسبة هي من صلاحيات مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لا وزارة الزراعة”.
استغلال وانتهاز واستفادة!
على خط مواز، تضاعفت أسعار المواد الغذائية بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان وعيد الفصح، وتحتج الشركات والمحلات والموردين بزيادة تكاليف الشحن والاستيراد لتضخيم الأسعار، وبالتالي مضاعفة الأعباء على المستهلكين.
وفي هذا الإطار، قالت رفقة لـ “الديار”: كانت “أسعار الخضر والفواكه معقولة في السابق، لكن مع ارتفاع الأسعار الآن، أصبح من الصعب علينا توفير الغذاء الصحي لأطفالنا، وبخاصة أننا في شهر الصوم واحاول تخفيض استهلاكنا للأطعمة الغنية بالبروتينات والفيتامينات بسبب تكاليفها التي أصبحت جدا عالية خلال هذه الفترة”.
اما علي فقال: “أجبرتني زيادة الأسعار على تقليص كمية الطعام التي أشتريها لعائلتي في شهر رمضان المبارك، واعتمد على البدائل الرخيصة مثل الأرز والمعكرونة، وهذا له تأثير سلبي في صحتنا، لكن ليس لدي خيار آخر”.
في الخلاصة، تزايدت الضرائب والرسوم التي يتحملها المواطنون، مما أدى الى زيادة تكلفة المعيشة بشكل عام. ومع استمرار ثبات سعر الدولار، زادت صعوبة الحصول على السلع الأساسية بالنسبة للكثير من العائلات اللبنانية، حيث أصبحت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتها اليومية.
هذا وتعيش آلاف العائلات في حالة من الفقر والحاجة، حيث لا تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية، وخاصة الغذاء، بالرغم من جهودها المبذولة. وتتزايد هذه الأوضاع الصعبة يوماً بعد يوم، مما يجعل من الضروري على الحكومة والمعنيين اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف الضغوط عن كاهل الأسر اللبنانية الفقيرة، وتوفير الحماية الاجتماعية اللازمة لهم.
ندى عبد الرزاق – الديار