“توتال” تبتز وهوكشتين يضغط… هل يتم استدعاء السفير الفرنسي؟
ما كان متوقعاً حصوله حصل. أجّلت شركة “توتال” الفرنسية الإجتماع الذي كان مرتقباً يوم أمس مع الوفد اللبناني التابع لوزارة الطاقة في باريس لتسليمه تقرير نتائج الحفر في موقع “قانا” ضمن البلوك 9. التأجيل يتكرّر للمرة الثالثة على التوالي في غضون شهر، ما عزّز الشكوك من حصول عمليات تسويف ومماطلة تقوم بها الشركة في ما له صلة بالثروة النفطية اللبنانية، أضيف إليه عنصر آخر وهو الكذب الصريح والمباشر.
ما هو بارز في التأجيل الجديد، أنه لم يُستتبع بتحديد موعد آخر للإجتماع، فيما ترك الأمر غامضاً بالنسبة إلى الجانب اللبناني الذي أخذ يبحث عن الأسباب التي تملي على الشركة الفرنسية مثل هذا الاداء. وليس سراً أن مسؤولين معنيين بالملف النفطي والغازي في لبنان، باتوا يفكرون جدياً بمدى جدوى استبدال الشركة الفرنسية بأخرى، شرط أن تكون مهتمة بشكل جدي، خاصة وأن نهج “توتال” المعتمد لا يوحي بأنها عنصر قادر على ضمان مشاريع لها علاقة باستثمار لبناني مستقبلي بارز وطويل الأجل، والعلاقة الاخيرة تظهر أنها ليست طرفاً جدياً أو “حيادياً” في شأن الحقوق اللبنانية، بل أنها شركة تسعى، من خلال ممارستها، إلى “تهشيل” الشركات المحتمل أنها تبدي اهتماماً بالمياه اللبنانية، وأخذ لبنان وثروته رهينة لسياساتها وإلإستئثار به، وتركه معلقاً لغاية حلول موعد الإستكشاف. إذ أن دراسات الشركة تعطي تصوراً عن أن غاز شرق المتوسط بشكلٍ عام (ما يتواجد خارج فلسطين المحتلة) لا فائدة تذكر من استخراجه قبل حلول العام 2030!
بهذا المعنى، بات يفهم السر المتخفّي وراء تعسّف الشركة واستمرارها في أسر الحق اللبناني، ومحاولتها الدائمة “تطيير” أي محاولة للبنان من أجل الحصول على نتائج الحفر في بلوك 9، لإعاقة أي خطوة من شأنها الذهاب بعيداً في دراسة طبيعة المكامن لديه. ويظهر أن الشركة تريد أيضاً دفع لبنان نحو تأجيل بتّ أي شأن متعلق بثروته إلى أقصى ما يمكن، ما يحتمل أن يسهل لها عملية التفاوض مع الحكومة لاحقاً، في ظل تراخي سياسي وقضائي واضحين تجاه ما تقوم به “توتال”.
عملياً، كان لبنان قد تلقى وعداً رسمياً من “توتال” خلال مشاركة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يرافقه وزير الطاقة في الحكومة نفسها وليد فياض في مؤتمر “تغير المناخ” في دبي الخريف الماضي، من أن الشركة ستقوم نهاية شباط 2024 بتسليم لبنان نسخة عن التقرير الكامل حول نتائج الحفر في موقع “قانا” في البلوك 9. عادت الشركة وأجّلت الموعد إلى النصف الأول من شهر آذار الجاري، واشترطت أن يتمّ الإجتماع عبر تقنية “زووم”. في ما بعد، راسلت “توتال” وزارة الطاقة طالبة تأجيل الموعد لغاية النصف الثاني من الشهر نفسه، متذرعة بأن مدير الشركة الفرنسية ينوي الإطلاع بشكل مباشر وتفصيلي على التقرير قبل تسليمه إلى الوفد اللبناني.
مرة أخرى وقبل بلوغ الموعد المقرّر بأيام، عادت “توتال” وراسلت وزارة الطاقة، طالبةً التأجيل، متذرعة هذه المرة بأن شركاءها في “الكونسورتيوم” (إيني الإيطالية وقطر للطاقة) ينوون المشاركة في الإجتماع أيضاً. حُدد الموعد الجديد في النصف الثالث من آذار (أي 26 آذار) في باريس، قبل أن تقوم الشركة قبل أيام من حلول الموعد، بمراسلة وزارة الطاقة مرة أخرى وإبلاغها تأجيل الموعد وهذه المرة من دون تحديد موعد جديد، ومن دون الكشف عن الأسباب التي أملت التأخير.
رغم ذلك، ما برحت وزارة الطاقة منذ ذلك الوقت، تراسل “توتال”، علّها تستفهم منها أسباب التأجيل، ومعرفة الموعد الجديد، من دون أي ردّ أو تعاون من الشركة الفرنسية، ما فُسّر على أنه هروب من تسليم النتائج.
إزاء هذا التصرف، لا بدّ للبنان من اتخاذ موقف حاسم من الذي يجري ، ودراسة سبل التعامل مع “توتال” وتهرّبها المستمر من أداء واجباتها. ولا بدّ للجهات الرسمية، من نقل المتابعة إلى المستوى الدبلوماسي عبر استدعاء السفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو، لوضعه في صورة ما يحصل، ولسؤاله عن الأسباب التي تملي على “توتال” التعامل بهذه الطريقة، والسبب من وراء “أسرها” التقرير الذي هو حق لبناني، وأيضاً استدعاء مدير الشركة في بيروت، ووضعه في صورة الإمتعاض اللبناني، وتوجيه رسالة شديدة اللهجة إليه، وتذكيره بضرورة التزام الشركة فوراً تسليم التقرير، مع ترك خطوة اللجوء إلى القضاء قائمة.
ولا بدّ من الإشارة، إلى كون مستوى لبناني معين، بدأ يعتقد ربطاً بما يجري، أن الشركة، تريد فعلاً الإستحواذ على التقرير وعدم تسليمه للبنان، مع توفر رغبة لديها لربطه مع مجريات الأوضاع في المنطقة. وهذا المستوى، كما تنقل مصادره إلى “ليبانون ديبايت”، يميل بناءً على معطيات متوفرة لديه، حول وجود ضغوطات أميركية تُمارس على الشركة، تحديداً من جانب المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتين، بقصد عدم تسليم الملف إلى الجانب اللبناني الآن، وربطه بسلة الحل الشاملة في المنطقة. وإن أي حركة في هذا الملف، لا بدّ أن تنسجم وما يسمى “الحل الشامل” حول الوضع اللبناني بشكل عام، وألا تنفصل مع ما يدور بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية وترتيبات الوضع هناك، ساعة يحين زمن وقف إطلاق النار، وبعدها يأتي استئناف مسار التنقيب عن الغاز وتسليم التقرير والمباشرة في المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد في البلوكين 8 و 10 المجمدة.
إلى ذلك، قال مصدر مقرب من شركة “توتال” في بيروت لـ”ليبانون ديبايت”، إن “أسباباً تقنية فرضت وتفرض على الشركة التأخير”، رافضاً قبول الكلام حول “ضغوطات تمارس عليها”. وذكر المصدر أن “الشركة ما زالت تعمل ضمن الفترة المسموح بها لتسليم التقرير والمقدرة بـ6 أشهر بعد إغلاق البئر وإنهاء عمليات الحفر”. وهذا “يعني أن الشركة ما زال لديها الوقت حتى نهاية نيسان المقبل من أجل تسليم التقرير”، معتقداً أن “التسليم سيحصل ضمن الفترة المسموحة، وإن أي أخطاء أو أسباب تدفع إلى الـتأجيل، تجري مناقشتها مع الجانب اللبناني بشكل واضح وشفاف” حسب قوله.