أزمة الدواء تتجدّد.. المرضى متروكون لمصيرهم و “الصحة” تتحرّك
منذ العام 2019، أي مع انطلاق قطار الإنهيار الإقتصادي، بدأت أزمة الدواء ترخي بظلالها على لبنان، وبدأ معها المرضى يحاربون لأجل ضمان أرواحهم.. فمن التهريب، وصولا إلى رفع الدعم، فالاحتكار، دوامة كبيرة عاشها المرضى على مدى 6 سنوات، وعلى ما يبدو فإنّها لن تتوقف على المدى المنظور.
لم تفرّق هذه الأزمة بين كبير وصغير، بل على العكس تمامًا، فرضت شبح تهديدها، ولم ترحم أيا كان، خاصة على صعيد الأمراض المستعصية التي باتت كحكم الإعدام المعلّق على علبة دواء واحدة فقط. وهكذا هي رنا، ابنة الـ16 سنة، تصارع مرض السرطان الذي فتك بعظام جسمها بعدما تغلّبت عليه في المرة الأولى، إلا أنّه كان أقوى، ليعود ويظهر من جديد. تسرد أمّها قصة العذاب، وهي تقصد عذاب تأمين الدواء، إذ تقول أن علب الدواء أضحت في لبنان جوهرة نادرة، لا يستطيع أي كان الوصول إليها، وفي حال وصل فإنّ ثمنها مهلك جدًا، علمًا أن دواء رنا وهو “ليبرانزا” يحول دون السماح للسرطان بالانتشار أو الظهور مرة أخرى، أي أنّها ستكون مضطرة لأخذه طوال فترة حياتها.
قضية رنا هي نفسها قضية 30 ألف مريض سرطان، يعيشون بدون افق ولا يعلمون ماذا ستخبئ لهم الأيام المقبلة، على الرغم من تأكيد مصادر وزارة الصحة لـ”لبنان24″ أن القضية بدأت تتحلحل، وذلك في اشارة إلى وقف القطاع العام إضرابه الذي شلّ كافة القطاعات الأخرى، ومع عودتهم من المتوقع أن يتم تسريع عملية التسليم.
وفي هذا السياق، يوضح المصدر أن الإضراب كان قد أثر سلبًا على عملية إنجاز التحويلات المالية للمصرف المركزي، ولهذا السبب تأخر الأخير بتحويل الأموال للمستوردين، إلا ان هؤلاء وعلى الرغم من وجود الأدوية داخل المستودعات رفضوا رفضا قاطعًا عملية التسليم قبل الحصول على الأموال.
عملية الحلحلة هذه وإن تمت مؤخرًا لا تعني بأن الأمور حلّت، وهذا ما أكّد عليه مراراً وتكرارًا نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم الذي حذّر من أزمة كبيرة سيقع في شباكها المرضى، خاصةً الذين يعانون من الأمراض المستعصية، إذ إنّ مرضى السرطان والتصلب اللويحي والذي يقدّر عددهم بحوالي 38 ألف مريض يواجهون خطرًا كبيرًا لناحية تأمين الدواء، وهذا ما ترافق مع عملية تقليص الدعم الذي تراجع بشكل قياسي خاصة على صعيد دعم أدوية السرطان، إذ كانت تصل أموال الدعم لحدود 35 مليون دولار، أما اليوم فإنّها لا تتجاوز 5 مليون فقط، ما يعني وضع 30 ألف مريض سرطان أمام مصيرهم، وحسب الأرقام، فإن ما يقارب الـ 90% منهم غير قادرين على تأمين الدواء بشكل دوري، وإن تأمن فإنّ أوضاعهم المادية لا تسمح بذلك أبدًا.
هذه الأزمة، وما يرافقها من حصول ما يزيد عن 15 ألف مريض على الدواء كل 5 أو 6 أشهر فقط، دفعت بأحد المرضى إلى الإنتحار مؤخرا بعد فقدانه الأمل من تأمين دواء مرض التصلب اللويحي، بعد علمه بأنّه قد يواجه الشلل في حال لم يؤمن الدواء، وهذا المؤشّر يعتبر في الوقت الحالي من المؤشرات الخطيرة، إذ إنّ المرضى باتوا يسلمون ارواحهم أمام معضلة عدم تأمين الدواء، والبعض الآخر سيأخذ قرار الإنتحار إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه.
على مقلب آخر، تؤكّد مصادر صحية أن الأمراض الأخرى لا تقلّ خطرًا عن الأمراض المستعصية، بمعنى أن مرضى السكري والضغط، وغيرها من الأمراض، باتوا غير قادرين على تأمين الأدوية بشكل دوريّ، وإذا تأمن، فإنّهم باتوا يلجأون إلى السوق السوداء، معقل الأدوية المهربة، التي تنبع من المخيمات العشوائية بشكل أساسي وتنتشر في الأسواق بشكلٍ مخالف للقانون، إذ تحذّر المصادر من أنّ هذه الأدوية المهرّبة عن طريق الأردن وسوريا هي غير خاضعة لأي اختبارات، ولا وجود لها في سجلات وزارة الصحة، وفي حال داوم عليها المرضى فقط لأنهم غير قادرين على الحصول على الدواء الأساسي فإنّ ذلك يعني أخذ خيار الموت البطيء.. فهل بات حتمًا المرضى أمام خيارين أحلاهما مرّ إما الموت بسبب الدواء أو الإنتحار؟!