تفاصيل أمنيّة – عسكريّة.. هذا ما يكشفهُ “قصف بعلبك”
الضربات الإسرائيلية المتتالية التي طالت بعلبك مؤخراً جرى ربطها ميدانياً بنيّة تل أبيب إستهداف مرافق زراعية وغذائية تابعة لـ”حزب الله”. فعلياً، المسألة هذه قائمة إلى حد كبير باعتبار أنّ إسرائيل تحاول نقل الشلل الإقتصادي الذي تعاني منه مستوطناتها المحاذية لجنوب لبنان إلى مناطق “حزب الله” بشكل خاص.
ضمنياً، بات هذا الأمر يندرج في إطار حربٍ إقتصادية، لكنّ النقطة الأعمق في المواجهة لا تنحصرُ فقط بمسألة إستهداف مخازن غذائية، فقصف بعلبك والبقاع أكثر من مرّة له دلالات أمنية وعسكرية واستراتيجية.. فما الذي يمكن اكتشافه من الضربات الأخيرة؟ ماذا تعني تلك الإستهدافات في مضامينها المُختلفة؟ في خطابه، أمس الأربعاء، قال أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله إنه يحق لحزبه التكتم عن طبيعة الأماكن التي يستهدفها العدو الإسرائيلي لاسيما في بعلبك وغيرها. الكلامُ هذا كان واضحاً، واستراتيجياً يُعدّ البقاع بمثابة “جبهة خلفيّة” للجنوب، كما أنهُ يمثل خطّ إمدادٍ حيوي لـ”حزب الله”.
هنا، تقول مصادر معنية بالشؤون العسكرية إنّ إقدام إسرائيل على ضرب البقاع إنما يمثل استهدافاً لذاك الخط، في حين أن الأمر الأخطر قد يتمثل في محاولة إسرائيل ملاحقة أي قوافل قد يعتمد عليها “حزب الله” لنقل أسلحة أو صواريخ باتجاه الجنوب، وذلك في حالة التعبئة العسكرية المرتبطة بتهديدات إسرائيل بشنّ حرب ضد لبنان.
إلى جانب كلّ ذلك، تمثل بعلبك ركيزة أساسية عسكرية لـ”حزب الله”، كما أنها تُعتبر مؤئلاً أساسياً له ومنطلقاً رئيسياً نحو سوريا. ولهذا، يمكن أن يمثل إستهدافها رسالة أمنية مفادها إن إسرائيل تسعى لـ”تشتيت” منطقة يمكن أن تكون عنواناً لنشاطٍ عسكري كبير بين لبنان وسوريا في حال حدوث أي حرب شاملة. مقابل هذه المشهدية، بات واضحاً أن إسرائيل تسعى إلى ضرب الخطوط الخلفية للحزب، وفي الوقت نفسه تحاول نقل معركتها إلى داخل بيئته على قاعدة الإستفزاز الذي قد يدفع نحو اتخاذ ردود من شأنها أن تشعل فتيل الحرب الشاملة.
المعضلة هذه يفهمها الحزب تماماً من رسائل قصف بعلبك، وعند مطالعة مضامين التقارير الإسرائيلية، يمكن الوصول إلى إستنتاج واضح عنوانه إن إسرائيل ترى في قدرتها على ضرب أي منطقة داخل لبنان بمثابة “تقدم ميداني”، في حين أنه مقابل ذلك، لا يمكن لـ”حزب الله” تعميق إستهدافاته ضد مستوطنات إضافية مأهولة بالسكان، لأن إسرائيل قد تعتبرُ ذلك بمثابة إعلان حرب. إذاً، المسألة معقدة، فالرد الذي يؤديه “حزب الله” ضد قصف العمق اللبناني ما زال محدوداً ضمن قواعد الإشتباك المرسومة منذ بدء معارك الجنوب قبل 5 أشهر، علماً أن التصعيد الصاروخي من قبل الحزب والذي يلي أي قصف إسرائيلي يعتبر موجعاً لتل أبيب من الناحيتين العسكرية والنفسية.
عند جمع كل هذه المعطيات مع بعضها، يمكن الوصول إلى إستنتاجٍ واحد، وهو أنّ الأمور ستبقى على حالها طالما أن جبهة جنوب لبنان مفتوحة. فإسرائيل حينما ترى أن لديها “حرية” في ضرب أي منطقة بعيدة عن الجنوب، قد تذهبُ بعيداً باتجاه تعميق استهدافاتها في مناطق “غير متوقعة”، في حين أنه من الممكن كثيراً أيضاً أن تشمل الإستهدافات مرافق حيوية أخرى تعتبر مهمة للحزب، إقتصادياً ومالياً، ليس فقط في البقاع بل في مناطق لبنانية أخرى.
ما الحل لذلك؟
كل هذه الأمور يدركها “حزب الله” تماماً من خلال قراءته للعبة الميدانية، والحل لمواجهة “تعميق الإستهدافات” قد لا يكون مرتبطاً بتوسيع رقعة المواجهة نحو مستوطناتٍ مأهولة بالسكان، لأن ذلك سيمثل ذريعة لإسرائيل لاعلان الحرب.
عملياً، يمكن لـ”حزب الله” أن يستفيد من تكتيكات عسكرية أخرى لفرض “قبة حديدية” في أي منطقة خارج الجنوب وتحديداً تلك التي يعتبرها أساسية بالنسبة له. فما الذي يمنع الحزب من اعتراض أي طائرة مسّيرة تحلق فوق البقاع مجدداً؟ الرسالة ستكون رداً عسكرياً ميدانياً، ومضامينه ستبقى ضمن قواعد الإشتباك كما أن نتائجه باتت معروفة، علماً أن كل ذلك لن يؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة كون الأمور تبقى ضمن شروط اللعبة العسكرية.