الحرب تسلّلت إلى حياة الصغار: يتابعون تفاصيلها ويحلّلون
كتبت رمال جوني في “نداء الوطن”:
أرخت الحرب بظلالها على الأطفال، وحوّلتهم مراقبين ومتابعين لأدقّ تفاصيلها. لم ينسَ أمير حين اهتزّت بهم المدرسة يوم نفّذ الطيران الإسرائيلي غارتين وهميّتين في أجواء النبطية وقراها. كان آنذاك في الصف، يروي ابن الخمس سنوات تفاصيل ما حصل لرفاقه الصغار، يخبرهم كيف احتمى برفيقه، ومسح الدموع عن وجه زميلته الصغيرة.
لا تفارق الحرب ويومياتها حديث التلامذة الصغار، جعلتهم محلّلين، ولكن على طريقتهم. تُخبر زينب تلميذة الصف الأول رفاقها أنّ «إسرائيل ضعيفة وستهزمها المقاومة»، ليردّ عليها رضا ابن الأربع سنوات «غزّة قوية وستنتصر»، يتحدّث الصغار عن الصواريخ وخشيتهم من أن يسقط أحدها في المنزل أو المدرسة، فالطائرات الحربية والمسيّرات ترعبهم وتقلق يومياتهم.
في باص المدرسة لا صوت يعلو على صوت أخبار الحرب، هنا تتعرّف على وعي الأطفال بما يحصل، يتكلّمون على الغارات التي دمّرت منازل في الجنوب. تقول فاطمة ابنة الخمس سنوات: «لم أستطع النوم بالأمس، لأنّ صوت الغارات كان قوياً، الإسرائيلي بدو يدمّر البيوت ليقتل الناس بس نحن أقوى». يردّد الأطفال ما يقوله الكبار. يؤكد محمد وهو صاحب باص لنقل التلاميذ أنّ «أحاديثهم كلّها عن القصف والطائرات وتحليقها في الأجواء، وتغيب عنهم اهتمامات الدروس والامتحانات وغيرها، وهذا أمر مستغرب جدّاً».
بدورها تشير روان أستاذة اللغة الفرنسية إلى الأثر النفسي الذي خلّفته أصوات الطائرات على التلاميذ، إذ «انعكس على سلوكياتهم وتركيزهم في الصف، عادة ما يسألون متى يصدر صوت قوي أو غارة؟ نموذج عن أسئلتهم في الصف. ينصبّ تركيزهم على مجريات ما يحصل عند الحدود وفي غزة، أكثر من شرح الأستاذ. يقاطعونه ليسألوا عن الحرب وما جديدها وتطوّراتها الميدانيّة». وتلفت «روان» إلى «أنّ المدرسة تعمل على التوعية النفسية للتلامذة، وتستعين بمرشدين نفسيين واجتماعيين لتعزيز ثقة الطلاب بأنفسهم، وكيفية التعامل مع التطوّرات المفاجئة». باعتقادها أن ما يعيشه التلامذة اليوم يختلف كليّاً عمّا عاشه الصغار في حرب تموز 2006. هذه المرّة الحرب متقطعة وأصوات الغارات مختلفة. تتحدّث «غنيا» أم لطفلين عن معاناتها مع أولادها، الذين لا يزالون تحت وقع الصدمة جرّاء الاعتداء على النبطية. وتحاول ابنتها الصغرى «ألما» استيعاب ما حصل، ولكن من دون جدوى، ما زالت تحمل الهدايا والشوكولا لرفيق صفّها الطفل محمود الذي وقع ضحيّة الاعتداء. تقول «غنيا» إنّ «ابنتها تسأل أين ذهب محمود؟ وكيف يعيش اليوم؟». وتضيف «تعرف أدقّ تفاصيل الحرب، تتعمّق في أحداثها وتتابعها عن كثب، حتى أنها تحلّلها على طريقتها وتبدي رأيها فيها، وتنحاز لأطفال غزة والجنوب».
تعمل «غنيا» في مجال الدعم النفسي في إحدى المنظمات الأجنبية التي تعنى بتقديم الخدمات النفسية والاجتماعية للنازحين الجنوبيين، غير أنها «ترتجف»، وتقول «صرت في حاجة إلى دعم نفسي، ما نعيشه من خوف وقلق كبير للغاية انعكس على سلوكياتنا، نشعر بخوف داهم يحيطنا». وتضيف «التلامذة صاروا أكثر وعياً لظروف الحرب، ويرون أنّ المقاومة هي الأقوى، لأنّ من يقتل الأطفال ضعيف».
حوّلت الحرب الأطفال محللين، ولكن على طريقتهم، يتعمّقون في الأحداث، ورغم سعي بعض المدارس إلى إبعادهم عن الأحداث، إلا أنّ الأخبار لا تفارق منازلهم، وهم يترقّبون كل جديد حتى أنّ الحديث عن الهدنة المرتقبة لم يسقط من أحاديثهم، بل يسأل سعيد رفاقه: هل ندخل الهدنة قبل رمضان أم تقع الحرب؟»، سؤال يشغل الجميع حتى الصغار.