الرئاسة على نار حامية: الولايات المتحدة أمام منعطف جديد
كتب رامي الريس في “نداء الوطن”: بات محسوماً بشكل شبه نهائي تقريباً أن المنازلة الرئاسيّة الأميركيّة سوف تتكرّر بين الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، وأن الخريف الرئاسي الأميركي لن يكون سهلاً في ظلّ تمتّع كل من الرجلين بنفوذ وحضور قوي.
فالأول هزم المرشحة السابقة هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون ووزيرة خارجيّة الولايات المتحدة، وتمكّن من اعتماد سياسات غالباً ما كانت توصف بـ»الشعبويّة»، نظراً لطبيعتها مثل الإسلاموفوبيا وقضيّة المهاجرين والتهجم على الإعلام، فضلاً عن سلوكه مسارات «غير تقليديّة» في العلاقات التاريخيّة للولايات المتحدة مع حلفائها، خصوصاً أوروبا وحلف «الناتو»، مقابل علاقات «غير تقليديّة» أيضاً مع الأخصام مثل موسكو وبكين، وصولاً إلى كوريا الشماليّة التي وطأتها أقدام أوّل رئيس أميركي.
والثاني أعاد الرئاسة إلى الحزب الديموقراطي وكان مثال الرئيس الذي يسير وفق حسابات المؤسسة السياسيّة الأميركيّة Establishment إذا صح التعبير دون مغامرات تذكر، ولو أنه لم يترك بصمات سياسيّة استثنائيّة، بل أدار الملفات الطارئة والاعتيادية بطريقة عادية للغاية، وبطبيعة الحال، أثار تزايد «هفواته» وحركاته خلال الأشهر الماضية الكثير من التساؤلات حول صحته الذهنيّة وقدرته على تولي المنصب الأرفع في الولايات المتحدة، وفي العالم، لمدّة أربع سنوات جديدة.
في قضيّة الصراع العربي – الإسرائيلي، ضغط ترامب لإنجاز اتفاقات أبراهام التي تضمّنت تطبيعاً لعدد من الدول العربيّة مع الاحتلال الإسرائيلي وشكّلت خرقاً لا يُستهان في مسار الصراع ومآلاته، ومن الخطوات الأخرى التي اتخذها تمثّل بنقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، واستهزأ لاحقاً بغياب ردات الفعل العربيّة على هذه الخطوة التي قيل إن الولايات المتحدة كانت تلوح بها ولا تجرؤ على تنفيذها خوفاً من الغضب العربي، وهو ما لم يحدث.
أما بايدن، فقد وفّر غطاء سياسياً كبيراً ودعماً عسكريّاً هائلاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حربه على قطاع غزة المستمرّة منذ نحو خمسة أشهر والتي حصدت أكثر من 30 ألف شهيد وتدمير كامل للقطاع ولم تُحقق أهدافها العسكريّة بإعادة المخطوفين أو بالقضاء على حركة «حماس» كما كان العنوان الأساسي لهذه الحرب. وعندما سئل بايدن عما إذا كان يتخوّف من ألّا يمنحه العرب والمسلمون في الولايات المتحدة أصواتهم في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة على خلفيّة موقفه الداعم بشكل أعمى لإسرائيل، أجاب بأن فوز ترامب سيؤدّي إلى ترحيلهم وعدم السماح بدخول أقاربهم إلى البلاد.
مهما يكن من أمر، فإنّ الناخب الأميركي العادي قلّما يكترث للسياسة الخارجيّة أو للأحداث الدوليّة، بل هو يهتمّ بالاقتصاد والوظائف وفرص العمل والمسائل المحلّية الأخرى التي حقق بايدن في البعض منها تقدّماً مثل مشاريع البنى التحتيّة التي تمّ إطلاقها، وهي كانت ضرورية في العديد من الولايات، إذ إن تراجعها كان مستغرباً في دولة مثل الولايات المتحدة.
يُفاخر ترامب بأنه لو كان في البيت الأبيض لما كانت روسيا قد غزت أوكرانيا ولا وقعت حرب غزة، ويُعيد ذلك إلى أسلوبه في التعامل مع قادة الدول والأحداث الدوليّة. مهما يكن من أمر، فإنّ الولايات المتحدة أمام منعطف جديد، وتداعياته في حال عودة ترامب، ولا سيّما على الساحة الدوليّة، لن تكون سهلة.