طوابع بـ3 ملايين دولار تُباع بـ36 مليوناً رغم أنف الجميع!
كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
طبخة الحدّ من طوابع السوق السوداء، التي تقدر وزارة المالية حجمها بنحو 36 مليون دولار سنوياً، وُضعت على نار حامية. وتكاد تُنجز لو تحسم الجهات المختصة أمرها وتضرب بيد من حديد وتضع حدّاً للطابع الورقي، وتسير بالإلكتروني منه الذي يُذكر في الموازنات مثل قانون موازنة 2022 و 2024 لكن من دون رصد الإعتماد له.
التقارير كلّها جاهزة ومُمَكْننة للسير قدماً بمكافحة المحتكرين والمخالفين والمتحكّمين برقاب المواطنين، ولكن جلّ ما ينقص تلك الخطوة هو توافق الجهات السياسية والقضائية، وفرض الدولة هيبتها الممسوحة. في تلك الحالة ستكون النتيجة غير مرضية لما تبقّى من المرخّصين البالغ عددهم نحو 352 الذين سيكون مصيرهم عاجلاً أم آجلاً الزوال مع الغاء الطابع الورقي الذي لم يعد مجدياً في زمن التطوّر التكنولوجي وزمن الأزمات والتقشّف.
تواطؤ رسمي
فلمَ لا تبادر الجهات المعنية ومنها وزارة المالية التي بجعبتها كل المعلومات والمعطيات والصلاحيات الى مواجهة تلك الآفة؟ كل التقارير التي يعدّها مدير الخزانة في وزارة المالية إسكندر حلاّق منذ عام ونصف العام جاهزة وتظهّرت الى الجهات المختصة. إذ تمّ، كما أعلم «نداء الوطن»، «إرسال كتاب من قبل وزارة المالية الى الأجهزة الأمنية والدوائر القضائية ومجلس النوّاب وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي والنيابة العامة المالية، ولجنة الإدارة والعدل، حول المخالفات التي تحصل في سوق الطوابع المتداولة والمحتكرة في السوق السوداء من قبل المرخّصين والأفراد. ولكلّ طابع رقم تسلسلي مدوّن وممكنن في سجلات مديرية الخزينة في وزارة المالية، وكلّ مرخّص اشترى أو استلم طابعاً من وزارة المالية يمكن ملاحقته وتحديد هويته بسهولة وسحب الترخيص منه في حال تمّ تقديم شكوى ضدّه تثبت أنه باع الطابع بأغلى من سعره».
إستغلال الظروف
إلا أن ما يحصل في موضوع الطوابع هو انها تُفقد بين الفينة والأخرى من السوق، بسبب نقص في الإعتمادات او بطء إنجاز الطبع في مطبعة الجيش التي تقدّم أسعاراً مخفّضة الى وزارة المال، ما يؤدي الى استغلال تجار الأزمات الوضع لتحقيق مكاسب مادية، وبالتالي يمكن اعتبار الاحتكار بتواطؤ رسمي ومن جهات رسمية.
فطابع الـ10 آلاف ليرة الذي يشتريه المرخّص بهذه القيمة كما بات معلوماً يُباع بـ100 ألف ليرة وطابع العشرين بـ200 ألف ليرة… على عينك يا تاجر، مستغلاً الصدأ والهريان الذي ينهش مؤسسات الدولة، ومن الحماية التي توفّر له من زمرة من الفاسدين. كما أن أحدهم، كما روى النائب أشرف ريفي في بيان، باع طوابع أمام وزارة التربية قيمتها 65 ألف ليرة بـ23 مليون ليرة، مطالباً «بتحمّل وزارة المالية والإدارات المعنية المسؤولية».
الحلّ المنشود
الحلّ الأسرع الذي اعتمدته وزارة المالية منذ استفحال أزمة فقدان الطوابع من السوق منذ أكثر من عام كان آلات الوسم الـ16 في صناديق وزارة المالية الموزعة في محتسبيات مراكز الماليات في المحافظات. ويقوم العمل بها على مبدأ وسم المعاملة بإشعارٍ يثبت دفع قيمة الطابع المالي، من دون الحاجة إلى لصق الطابع بشكل مباشر. واعتماد «إشعار «ص 14» كبديل عن الطوابع، وهي مسألة مربكة بعض الشيء خصوصاً لكتاب العدل الذين تترتّب عليهم في كل مرة يحتاجون الى طابع الى تعبئة نموذج ويتم الحصول عليه من موقع وزارة المال الإلكتروني أو من شركة تحويل الأموال التي يسدّد لديها رسم الطابع مع رسم إضافي بقيمة 100 ألف ليرة، إلا أنها تبقى الحلّ المرحلي الأمثل لأزمة الطوابع حالياً.
وتُسدَّد الرسوم التي توازي قيمة الطابع المراد شراؤه إلى إحدى شركات تحويل الأموال التي بدورها تختم النسخ الثلاث التي يحتفظ صاحب المعاملة بإحداها، وأخرى للإدارة المعنية بالمعاملة، والثالثة لخزينة الدولة. ويصبح إيصال الدفع إثباتاً على تسديد المكلَّف رسوم الطابع المالي.
وقد يواجه المواطن عدم قبول جهات رسمية بالـ»ص14» كمعاملات إخراج القيد على سبيل المثال، إذ يتمّ الزام المواطن بالطابع الورقي من بائع الطوابع المجاور، في هذه الحالة يمكن الرجوع الى مديرية الأحوال الشخصية لمراجعتها حول تلك المسألة وتطبيق التعميم الصادر سابقاً عن مجلس الوزراء والذي يفرض على كافة الإدارات الرسمية استخدام الـ»ص14» في حال عدم توفّر الطابع الورقي.
وعن سبب عدم توفّر ذلك الطابع لدى مراكز البيع، يقول حلاّق «إن طوابع الـ100 و200 و400 و500 ألف ليرة غير موجودة في صناديق وزارة المالية، وننتظر من مطبعة الجيش تسليمنا 300 مليون طابع. وأعدينا قرار طبع فئات الـ100 و200 و400 ألف ليرة. ولحينه يمكن اعتماد إشعار الـ»ص14» كما ذكرت سابقاً أو آلية الوسم في صناديق المالية، فيتم ختم المعاملة وبالسعر الرسمي، ما ينافس أصحاب الرخص ببيع الطوابع بسبب وجود بديل عن الطابق الورقي، الأمر الذي لا يرفضه المرخصون».
قيمة السوق السوداء
قيمة سوق الطوابع السوداء فاقت حدّها ويقول حلاّق إن «حجم السوق السوداء يبلغ نحو 3 ملايين دولار شهرياً و36 مليون دولار سنوياً. والطوابع التي يتمّ شراؤها بـ500 دولار تُباع بالسوق السوداء بـ6000 دولار. أي كل 500 دولار تحقّق ربحاً بقيمة 5500 دولار، علماً ان حقّ المرخّصين القانوني باستيفاء ربح بنسبة 5%، واذا كانت تلك النسبة لا تروق لهم فليبحثوا عن وظيفة أخرى».
إحتجاجات نواب
وكان النائب ابراهيم كنعان أثار ازمة الطوابع التي تتفاقم، وأعلن أنه تقدّم بإخبار في 27 شباط المنصرم الى وزير العدل وأحيل الى النيابة العامة التمييزية، داعياً الأخيرة الى التحرّك لأنّ «المافيات منتشرة على الطرقات ولا تهاب أحداً. ومن المُعيب السكوت والانتظار اكثر، بل يجب المداهمة سريعاً بعد تداول وانتشار فيديوات تُثبت بالصوت والصورة أماكن تواجد هؤلاء».
وأيضاً منذ عام وتحديداً في شباط 2023، كان تقدّم النائب سامي الجميّل بإخبار أيضاً الى النيابة العامة المالية ولم يتمّ تحريك اي ساكن.
كما تناول، استناداً الى حلاّق، النائب جهاد الصمد في جلسة لجنة الدفاع الوطني والداخلية التي عقدت في 19/2024/ 1 موضوع سوق الطوابع السوداء وكأنه إخبار شفهي، وكل النواب المتواجدين في الجلسة كان لديهم نسخة عن تقرير وزارة المالية بالأسماء.
السير بالطابع الإلكتروني
يقول حلاّق إنه يترتّب على وزارة المالية إنجاز دراسة حول كلفة السير بالطابع الإلكتروني والتي لا تستغرق الكثير من الوقت ومن دون كلفة، وبناءً عليها إعداد المرسوم التطبيقي ورصد الإعتماد لها.
أما كيفية شراء الطابع الإلكتروني فتتم عبر الهاتف الذكي من خلال رمز الـ Qr code، فيصدر من خلال ماكينة شبيهة بالـPOS ورقة تلصق على المعاملة وكأنها طابع مثل وصل فاتورة السوبرماركات.
فإذا كانت كلفة اعتماد الطابع الإلكتروني على سبيل المثال 200 ألف دولار، فهذا المبلغ يسدّد مرة واحدة، وما تبقّى يتحوّل الى ربح مستمرّ للدولة والوقوف بوجه المافيات التي تحصّل 36 مليون دولار سنوياً.
10 ملايين طابع من فئة 5000 ليرة قريباً في التداول
كان قانون موازنة 2022 يتضمن اعتماداً يسمح بطباعة 100 مليون طابع. بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لم يعد باستطاعة وزارة المال طباعة أكثر من هذا العدد. في العام 2023 لم يتمّ إقرار موازنة، ولم تتمكّن مديرية الخزينة من توفير الإموال للطبع لأن الدولار وصل وقتها الى 130 ألف ليرة فانهارت قيمة العملة، والشركات الخاصة كانت تخشى الدخول في مناقصات بالليرة اللبنانية وانما كانت تفضّل أن تكون بالدولار.
في العامين 2022 و2023 ورد الى وزارة المالية، استناداً الى حلاّق، «نحو 50 مليون طابع. ولا يزال يترتب تسليم وزارة المال نحو 40 مليون طابع. منذ 10 أيام تمّ تأمين 10 ملايين طابع من فئة 5000 ليرة ستطرحها مديرية الخزينة في التداول، ولا يزال هناك 30 مليون طابع تنتظر الوزارة تسلمها من المطبعة.
وكان مخزون مديرية الخزينة في وزارة المال يتضمّن نحو 1,5 مليون طابع، تمّ توزيع 48 مليوناً منها للمرَخّصين وسواهم، وبقي 3.5 ملايين طابع في المخزون كما في 31/12/2023.
أزمة طوابع المخاتير
لذلك الفصل من قصّة الطوابع مقاربة مختلفة، فطابع المختار يختلف عن الطابع المالي وهذه روايته بحسب حلاّق: «طابع المختار لا يعود عائده الى خزينة الدولة، بل الى صندوق المخاتير الذين سبق ان تقدّموا بطلب لطباعة 10 ملايين طابع قبل 4 أيام من إقرار قانون الموازنة وتعديل قيمة رسم ذلك الطابع من 5 آلاف ليرة الى 50 ألف ليرة». وتمّ إدراج تعديل قيمة الطابع في قانون موازنة 2024 ضمن المادتين 39 و 40، ولكن نواباً طعنوا بالمادتين أمام المجلس الدستوري الذي قبل الطعن في قرار أصدره يوم الإثنين المنصرم ضمن جملة من المواد الأخرى المطعون فيها. وبذلك يترتب اليوم تعديل مطلبهم لدى مطبعة الجيش بطبع 10 ملايين طابع بـ5000 ليرة، لأنه قانوناً لم يحقّ لهم التعامل بطابع الـ50 ألف ليرة.
ولحين تحرّك كل الجهات المعنية في هذا الملفّ تعتبر «مديرية الخزينة أنها أنجزت فرضها وستستمرّ في الضغط، لتحرّك المسؤولين من خلال التقارير التي أبرزتها نتيجة التدقيق الذي اجرته المديرية، وقدّمته الى الجهات المعنية» إستناداً الى حلاّق. وتعوّل على السير بالطابع الإلكتروني الذي سيعتبر مصدراً إضافياً لعائدات خزينة الدولة، فيما المافيات تصوّب على مديرية الخزينة السهام خشية على مصالحها اذا ما تمّ الغاء الطابع الورقي وإقفال باب سوق الطوابع السوداء.
تسليم المرخّصين المعلومات أو سحب الرخصة
كان مدرجاً لدى مديرية الخزينة في وزارة المال نحو 1345 رخصة لبيع الطوابع، 654 غير فاعلة وتمّ تجميد 348 رخصة. والمتبقي 352 رخصة فاعلة «سيكون مصيرها التجميد في مرحلة قريبة اذا ما تبين أن مصدر الطوابع في السوق السوداء تعود لها، باعتبار أن «من يريد العمل في مجال الطوابع يجب أن يبيعها بالسعر الرسمي». كما قال مدير الخزينة في وزارة المالية. لافتاً الى أن «المديرية طلبت من المرخّصين معلومات إضافية يترتّب توفيرها، كما تحديث ملفّاتهم، وفي حال عدم التجاوب سيتمّ وقف الرخص».
كتبٌ من وزارة المالية إلى الأجهزة الأمنية والدوائر القضائية ومجلس النوّاب وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي والنيابة العامة المالية ولجنة الإدارة والعدل… بقيت كلها بلا متابعة.
لكلّ طابع رقم تسلسلي مدوّن وممكنن في سجلات مديرية الخزينة وكلّ مرخّص اشترى أو استلم طابعاً وباعه بغير سعره مع عمولة 5% فقط يمكن ملاحقته وسحب الترخيص منه.