إستباحة السفارات تابع… مسؤول أمني إسباني يحرض مشايخ “السنة” على حزب الله
قبل أيام، جرى تداول معلومات حول قيام مواطن إسباني يحمل جوازاً دبلوماسياً ويعمل في سفارة بلاده في بيروت، بإجراء عمليات تصوير بهاتفه الخليوي في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبعدما جرى توقيفه من قبل “جهاز أمن المقاومة”، وتسليمه فيما بعد إلى استخبارات الجيش، تبيّن أن هاتفه مزوّد ببرنامج “تشفير” عالي التطور. بعدها بأيام قليلة، أوقف الجهاز نفسه في الضاحية أيضاً، مجموعة مؤلفة من 3 مسلحين و3 آخرين من “اللوجستيين”، وهم موظفون في السفارة الهولندية في بيروت.
وعلى ما أفادوا خلال التحقيق معهم، كانوا في عداد مهمة حماية لإحدى الشخصيات الهولندية (لم يفصح عنها). وفي رواية أخرى مستقاة من مصادر أمنية، أفادت أن المجموعة كانت “تجري محاكاة” حول عمليات “إخلاء محتملة” في ظل الحرب. تواجدهم في عتاد شبه عسكري يعطي انطباعاً حول الهدف من تواجدهم. أمّا التقدير الذي لا بدّ من إبرازه، لا يسقط فكرة أنهم أدّوا “بروفا” يقصد منها تمرير رسالة “ميدانية” إلى “حزب الله”.
هذا النشاط اللافت للسفارات الغربية ،وأيضاً لبعض الكتائب المنضوية ضمن قوات “اليونيفيل” (من ضمنها الكتيبة الإسبانية التي يُزعم على نطاقٍ واسع أنها تتماهى مع الجنوبيين من حيث تبنّي طروحاتهم وتكاد تحظى بثقة إستثنائية من جانب الأجهزة الأمنية والقادة السياسيين)، لا يمكن فصله عن النشاط الغربي المتصاعد لبنانياً لا سيما في ظل الحرب.
قبل كل ما جرى في بعده الأمني – الميداني، كان ثمة نشاطاً إستقصائياً من نوع آخر، يقوم فيه مسؤولون كبار من السفارة الإسبانية ببيروت بشكلٍ سري ومن خلال إخفاء هوياتهم الحقيقية، إندرجَ ضمن الدور الوظيفي “المشبوه” نفسه.
بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، قام مسؤول كبير في السفارة الإسبانية منذ أسابيع (قيل إنه المسؤول الأمني بالسفارة فيما آخرون إدعوا أنه الملحق العسكري الإسباني)، بدور مشابه لما قام به الموظف الإسباني لكن بإسلوب مختلف، حيث أجرى جولات شملت شخصيات دينية ومشايخ “سُنة” بعضهم ينتمي إلى الحالة السلفية في الشمال (طرابلس تحديداً)، محاولاً الوقوف عند رأيهم حول جملة من القضايا الأساسية، ومنها “القتال الجاري سواء في غزة أو في جنوب لبنان”. ويتردّد أن المسؤول أجرى أيضاً زيارات لشخصيات مشابهة في مناطق آخرى.
الملفت في ما جرى، أن المسؤول الإسباني، حجز مواعيد مع بعض “المشايخ” متعمداً إخفاء هويته الحقيقية كموظف رسمي في السفارة، زاعماً أنه “صحافي إسباني أتى إلى لبنان من أجل التقصّي”. ويتبين من خلال جرد بعض الذين التقى بهم، أن “الضَيف” لم يرسُ على إسم معين، ما يفسّر حجم الضياع الذي وقعت فيه الشخصيات المستهدفة. ويسجل عليهم أنهم وقعوا في خطأ عدم إجراء تدقيق بهوية الزائر قبل استقباله.
وقالت شخصية من الذين التقوا بالمسؤول الأمني الإسباني، والمعروفة بمعارضتها للحزب في حديث لـ”ليبانون ديبايت (علمت لاحقاً أنه مسؤول أمني وأعطت علامات تنطبق على الملحق الأمني)، أن الزائر تناول مسائل فيها تحريض مباشر على “حزب الله”، وحاول الإستفهام منّا حول موقعنا في أي مواجهة محتملة بين الحزب وإسرائيل، ونحن “أسمعناه ما يجب أن يسمعه ولم يكن مسروراً”.
وإذ يبدو أن “الإسبان” بدأوا سلوك مسار واضح ومختلف عما أشاعوه سابقاً بموازة الحرب الجارية ومغايراً لما اعتادوه، تبين أن الزيارات حملت “جدول أعمال” واضح، دار حول جملة أسئلة، تتعلق بنظرة الشخصيات تلك الى “الصراع الناشب في قطاع غزة”، ورؤيتهم تجاه المقاومة وتجاه الحل المنشود. وعلى ما تبين من مضمون الأسئلة، ظهر أن المجموعة الأولى منها كانت عبارة عن مقبّلات سبقت الدخول في الطبق الرئيسي. حيث تبدأ الأسئلة بالتدحرج، حول الموقف من “تدخل حزب الله في الحرب الجارية”، ومحاولة الوصول إلى أجوبة حول مدى التأييد الذي يحظى به داخل “البيئات السُنية”، وهل ينال تأييداً من جانب رجال الدين، وما هو حجمه. ما هو دور المجموعات العسكرية المسلّحة في الشمال (إن وُجدت)، وهل تحظى بقدرة التعبير عن ذاتها، ومدى تأييدها لحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهل يتفاعلون معهم، وما مدى احتمال تحرّك (أو تحريك) هؤلاء، وهل لديهم مؤهلات وإمكانيات، وما هو الدور المتبع من جانب الأجهزة الأمنية لمتابعتهم.
“محضر التحقيق” هذا، كان مدعاة استغراب وقلق لدى شخصيات معينة، حاولت “سلق” اللقاء، وتعاطت بمراوغة مع الأسئلة والأجوبة. ويفهم من الأسلوب الذي اتبع من جانب المسؤول الإسباني، أنه يميل إلى “الإستنفار الدبلوماسي” لأجل “فحص” البيئات الداخلية، لمعرفة موقفها الحالي من القضايا، ومدى إمكانية استفادة حزب الله ومدى احتمال أن يحظى بتغطية في حال تطور المعارك نحو حرب واسعة.
أمّا الأهم بالنسبة إلى السفارات التي تقوم باستباحة أمنية في وضح النهار، يبقى تأمين دراسات تخدم إسرائيل. فتل أبيب تعتبر أن من أهم شروط نجاحها في أي عمل عسكري محتمل، يبقى التلازم في جزء منه مع الداخل اللبناني الذي يفترض ـ بمنظورهم – ألا يكون في صف المؤيد لحزب الله!