إسرائيل قد تتوغّل برّاً في لبنان: تحذير وتنبيه أميركيّ أم معلومات استخباراتيّة؟
كثيرة هي المصطلحات التي بات الجميع في حاجة إلى التأقلم معها في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع أحداث” 7 أكتوبر”، التي وعلى ما يبدو لن تغيّر الواقع داخل غزّة، إنّما قد تدفع نحو تصوّرات وخرائط جديدة ومختلفة لكلّ عوامل الصراع والسلام في الشرق الأوسط.
فما بين الهدنة والهدنة المؤقّتة ووقف إطلاق النار ومسيّرة “هرميز 450” وصاروخ “رعد” وسواهما من الأسلحة التي تمتلكها أطراف الصراع، بالإضافة طبعاً إلى التوّغل والعمليّات البرية باتت هواجس كلّ المعنيّين متفاقمة ومتشعّبة، لاسيّما أنّ خيارات الحسم لصالح أيّ طرف من الأطراف غير واضحة ولا يمكن التنبّؤ بها.
وعلى خطّ الصراع المتفاقم والمتمادي بين “حزب الله” وإسرائيل بدت لافتة التصاريح الأميركيّة التي بشّرت أو حذّرت، وشتّان ما بين المعنيّين من إمكانيّة تنفيذ إسرائيل عملية برّية في جنوب لبنان خلال الربيع المقبل، إذ نقلت شبكة “سي إن إن”، الخميس عن مسؤولين أميركيّين كبار قولهم “إن هناك قلقاً داخل الإدارة الأميركيّة من أن تكون إسرائيل تخطط لتوغّل برّيّ في لبنان، يمكن أن يحدث في غضون أشهر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إبعاد جماعة “حزب الله” اللبنانية عن الحدود مع إسرائيل”.
السفير شديد: لا مصلحة أميركا آنيّة أو استراتيجية في الحرب الشاملة
وتعليقاً على التصريحات الأميركية أكّد سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد لـ “النهار”، أنّه “لا بدّ بداية من النظر إلى توقيت التصريحات الأميركية، التي تأتي في مرحلة تمرّ فيها الأمور في جنوب لبنان بوضع غير طبيعي، فعلى الرغم من أن الحرب في الجنوب تأخذ الطابع المحدود والمحدّد، إنّما التدحرج بات شبه واضح لاسيّما بعد الغارات على بعلبك والغازية.
وبالإضافة الى الاستهدافات الإسرائيلية الآخذة بالوصول إلى العمق اللبناني، يبدو نزوح المستوطنين الاسرائيليين من منطقة الشمال، أي من المنطقة المقابلة لحدود لبنان الجنوبية، بات يشكّل نقطة ضغط كبيرة للإسرائيليّين، إذ قارب عدد النازحين ما لا يقلّ عن مئة ألف مستوطن، يضغطون بشكل جدّيّ على حكومتهم التي تتخوّف بدورها من “7 أكتوبر” جديد ينطلق من لبنان.
كل هذه العوامل بالإضافة الى السياسة الإجرامية والجنونية التي تتبعها إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تشير بشكل أو بآخر ودون جزم إلى إمكانية حدوث حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة الأميركية”.
ويضيف شديد: “رفض أميركا لحرب شاملة في لبنان والمنطقة يأتي نتيجة لسببين أساسيين، السبب الأول مرتبط بالسياسة الاستراتيجية الخارجية التي تتبعها الولايات المتحدة، إذ انّها لا تريد أن تكون جزءاً من أيّ حرب حول العالم، ولذلك شهدنا الانسحاب من أفغانستان.
وفي مقابل هذه الرغبة تستعيض أميركا عن الحروب بعوامل الضغط السياسية والاقتصادية.
أمّا السبب الثاني الذي يدفع الولايات المتحدة إلى رفض الحرب في لبنان والمنطقة، فهو محاولتها إقامة توازن بين الحفاظ على مصالح إسرائيل، حليفتها الأولى والتاريخية، وبين الحفاظ أيضاً على علاقاتها المتنوّعة مع شعوب المنطقة.
فضلاً أنّ أميركا التي تتحضّر لانتخابات رئاسية، تنظر بعين جديّة الى شارعها وتوجّهات شعبها الذي عبّر عن رفضه المجازر التي تقوم إسرائيل بارتكابها في غزة.
ويرى السفير شديد، أن “لا مصلحة آنية ولا استراتيجية لأميركا بأيّ حرب شاملة، لذلك يمكن وضع التصاريح الأخيرة في خانة الإنذار الأميركي أو السياسة التنبيهية، علماً أنّ الولايات المتحدة تمتلك ما يُعرف بالتقارير الاستخباراتية، وبالتالي قد نكون أمام معلومات جدية عن إمكانية دخول إسرائيل في حرب برية مع لبنان”.
هدنة في غزّة وترسيم برّيّ في لبنان؟
ومن الجدير ذكره أنّ المعلومات التي نقلت عن مسؤولين أميركيّين كبار، أتت بعد أيام على تأكيد وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت أنّ “ضربات بلاده ضدّ “حزب الله” لن تتوقّف حتى في حال التوصّل إلى اتفاق على هدنة والإفراج عن رهائن محتجزين لدى حركة “حماس” في غزّة”.
كما تلت هذه التصاريح معلومات نقلتها “رويترز” عن مسؤولين في “حزب الله” تفيد بأنّ ” الحزب سيتوقّف عن شنّ هجمات على إسرائيل عندما يتوقّف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، لكنّه مستعد أيضاً لمواصلة القتال إذا استمرّت إسرائيل في الأعمال القتالية.
لذلك تبرز تساؤلات عدّة حول طبيعة الحرب الدائرة في جنوب لبنان ومستقبلها ومعها مستقبل كلّ لبنان، إذ قد تكون الغارات التي شنّتها إسرائيل على محيط بعلبك والغازية نموذجاً للجنون الإسرائيليّ في حال توسّع بيكار الحرب وانتقل لبنان من مرحلة المعارك الهجمات المتبادلة إلى مرحلة الحرب.
وحول موضوع “هدنة رمضان” المرتقبة، أشار السفير شديد إلى أنّ “المجال لبلوغها ما زال ممكناً، وهناك مصلحة ورغبة أميركية بتحقيقها قبل بداية شهر رمضان.
والوصول إلى هدنة في غزّة لا يعني بالضرورة الوصول إلى هدنة في جنوب لبنان، لاسيّما أنّ واقع المستوطنات الشمالية والمستوطنين يطرح علامات استفهام في الداخل الإسرائيليّ.
ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّه في حال الوصول إلى هدنة في غزّة سيكون من الصعب على إسرائيل أن تستمرّ في استهدافاتها للجنوب اللبناني، لاسيّما أنّ الهدنة قد تدفع بحركة دبلوماسية أميركية نحو لبنان، وقد نشهد زيارات لموفدين أميركيّين للبحث في موضوع ترسيم الحدود البرّية.
كما أنّه لا يمكن البناء على الهدنة المرتقبة للحديث عن وصول أكيد لوقف كلّيّ لأطلاق النار في غزّة، فمرحلة وقف إطلاق النار تحتاج إلى شروط لا بدّ من أن تتحقّق وأبرزها متعلّق بملفّ الأسرى.
العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة… بين نيسان وتموز
وفي إطار الحديث عن عملية برّيّة إسرائيليّة ممكنة، تجدر الإشارة إلى أنّ معظم العمليات العسكرية والحروب التي شنّتها إسرائيل ضدّ لبنان أتت خلال فصلَي الربيع والصيف، وتحديداً ما بين نيسان وتموز.
ومن أبرز هذه الحروب، العملية العسكرية التي نفّذتها إسرائيل في 6 حزيران 1982 وتمكّنت خلالها من احتلال الجنوب وبيروت وبعض أجزاء من جبل لبنان والبقاع، وسمّيت هذه العملية بـ”عملية سلام الجليل”، وكانت تهدف إلى إخراج “منظّمة التحرير الفلسطينيّة” من لبنان.
وقامت إسرائيل في 11 نيسان 1996، بتنفيذ عملية “عناقيد الغضب” ردّاً على إطلاق “حزب الله” صواريخ على مستوطنتَي نهاريا وكريات شمونة .
وتُعتبر “حرب تموز” آخر العمليات العسكرية الإسرائيليّة في لبنان، والتي استمرّت طوال 33 يوماً.