نصرالله يردّ على الراعي… الهوّة عميقة
يقول بعض الذين يرفضون ربط الأزمة اللبنانية بالحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة عبر فتح الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل إن خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في “يوم الجريح” يذكرّ الكثيرين من اللبنانيين بكلام مشابه لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الحاج محمد رعد يوم نصح الذين أعلنوا تمسّكهم بـ “اتفاق بعبدا” بأن يبّلوه ويشربوا من ميتو”، مع العلم أن “الحزب”، الذي شارك في طاولات الحوار، التي دعا إليها الرئيس السابق ميشال سليمان كان وافق على هذا الاتفاق. وهذا يعني في شكل غير مباشر أن اللبنانيين منقسمون أفقيًا وعموديًا، وهم ليسوا “سوا على نفس الموجة”، على رغم ما يتعرّض له لبنان من مخاطر كان يُفترض بجميع اللبنانيين أن يتوحدّوا حول فكرة واحدة، وهي كيفية تجنيب لبنان مما لا قدرة له عليه، وذلك في ظل ما يشهده من أزمات اقتصادية واجتماعية، وهو يعيش حاليًا مرحلة مفصلية شديدة الخطورة.
ما يمكن قوله، وفق أوساط ما تبقّى من 14 آذار، إن كلام السيد نصرالله جاء عشية إحياء الذكرى التاسعة عشر لاغتيال الرئيس رفيق الحريري بطريقة مختلفة هذه السنة بعدما كثر الحديث عن خلفيات الحشد الشعبي لمهرجان المطالبة بعودة دائمة للرئيس سعد الحريري، وهو تزامن أيضًا مع ما رافق حديث البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي المقتبس من بعض أهل الجنوب عن “الانتصارات الوهمية” من حملات تخوينية على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع أنه لم يسمِّ الكاردينال الراعي بالاسم فإن نصرالله ركزّ في كلمته العالية النبرة على الافرقاء والقوى المناهضين للحرب التي يخوضها الحزب في الجنوب تضامنًا ومساندة لأهل غزة، وبأن “ما نقوم به في جبهتنا اللبنانية هو مسؤولية وطنية، ومنسجمون مع انسانيتنا ومع قيمنا الأخلاقية ومع مسؤوليتنا الشرعية والدينية”.
وفي هجومه على خصوم الحزب لم تغب عن باله صورة البطريرك الراعي الذين كان يقتبس عن بعض أهل الجنوب ما يعانونه نتيجة هذه الحرب، وقال إن “المشكلة هي في اعتبار البعض أن لا جدوى مما نقوم به في الجبهة اللبنانية وهذا أمر كارثي. وهناك أطراف لها أحكام مسبقة أيًّا تكن الإنجازات والانتصارات وتصف ما يتحقق بأنه إنجاز وهمي”. وأضاف: “في الجلسات الداخلية هؤلاء الذين لديهم مواقف مسبقة يعترفون بالإنجازات لكن علناً لا يقرون. ورغم هزيمة المقاومة لجيش الاحتلال الذي لا يقهر فان البعض يجادل بجدوى المقاومة. هذه الفئة التي تدعي أن “القانون الدولي يحمينا” وتجادل في جدوى المقاومة “ميؤوس منها”. وتحدث عن “جو كبير من التهويل في لبنان يشارك فيه سياسيون وشخصيات يرقى إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي والسفالة وهناك أطراف في لبنان تهوّل على أهل الجنوب ببدء الحرب”. وشدد على “وجوب ان نحرص ألا يؤدي هذا السجال إلى نزاعات طائفية وهذا الأمر من مصلحة اسرائيل وليس من مصلحة الوطن والكرامة الوطنية”.
فهذا السجال في رأي بعض الأوساط المراقبة لتفاعل الحركة الداخلية مع حركة الموفدين الدوليين قد يقود اللبنانيين إلى المزيد من الانقسامات الحادّة، والتي ليست في الأساس وليدة اللحظة الآنية، بل تعود بالأخصّ إلى التناقض الذي كان قائمًا بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري و”حزب الله” بالنسبة إلى نظرة كل منهما إلى لبنان. فبينما كان الرئيس الشهيد يتطلع إلى جعل لبنان “هونكونغ” الشرق كان “الحزب” يصرّ ويعمل على تحويل لبنان إلى ما يشبه “هانوي”.
فهذا التناقض بين نظرتين مختلفتين عن دور لبنان لا يزال قائمًا، ولكن من دون أفق لإمكانية الخروج من دوامة إثبات أحقّية أي من هاتين النظرتين. وهذا الأمر ينعكس على كل مفاصل حياة اللبنانيين في يومياتهم السياسية والمعيشية. والدليل أن الجمهورية باقية من دون رئيس حتى إشعار آخر، وأن أزمة وجود ما يقارب مليوني نازح سوري على مختلف الأراضي اللبنانية لا تزال تتفاعل اقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا وديموغرافيًا وحتى أمنيًا.في خلاصة الحديث الذي لا نهاية وشيكة له بين ردّ وردّ على الردّ فإن الخاسر الأكبر هو لبنان بمفهومه الرسالي والتعايشي، وأن الهوة السحيقة التي تفصل بين اللبنانيين تزداد يومًا بعد يوم عمقًا واتساعًا.