“حزب الله” يجري الإختبار الأول على “توسيع الحرب”
لا تزال التهديدات الإسرائيلية تصل إلى لبنان عبر الموفدين الدوليين. آخرها ما نقله الوفد الفرنسي الذي زار بيروت وضم شخصيات سياسية وأمنية، أن إسرائيل تتحضر لتنفيذ عملية عسكرية في الجنوب، وما سبقها إليه كل من وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورنيه، ونظيره البريطاني ديفيد كاميرون، وقبلهما وزيرة الدفاع الألمانية والمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين. في المقابل، يردّ “حزب الله” على رسائل التهويل بدعوته المستمرة إلى وقف إطلاق النار في غزّة، كي يبدأ الحديث بعدها في الترتيبات عند الحدود. كما أنه تعمّد إظهار نوعٍ من مظاهر القوة عند الحدود. صحيح أن الحزب لا يفاوض، لكنه يوصل رسائله من خلال القنوات المعتمدة للتفاوض. أمّا الجديد فيرتبط بما أبلغه رداً على احتمال توسيع نطاق العمليات الإسرائيلية، من أن “المقاومة غير مقيّدة في زمان ومكان أو جغرافية محددة”.
يعني ذلك، أن الحزب يتعامل مع العدو الإسرائيلي تماماً كما يتعامل الأخير، أي من خلال إبداء الإستعداد للحرب، لكن بفارق بسيط، أن المقاومة مستعدة للذهاب بعيداً فيما العدو يبدو لغاية اليوم متهيّباً. ما يثبت ذلك أسلوب انتشار عسكره عند الحدود، فيظهر أنه ما زال ضمن الوضعيات الدفاعية.
وفي الميدان يرد الحزب على توالي التهديدات الإسرائيلية من خلال إدخال صنوف جديدة من الأسلحة. وبدل أن تقوم تل أبيب بتوسيع الإشتباك، سبقها “حزب الله” إليه، من خلال تنفيذه ضربات طالت مواقع عسكرية تقع في الجولان السوري المحتل. وفي مسألة استهداف قاعدة “كيلع” في الجولان، والمخصّصة للتدريبات العسكرية الإسرائيلية التي تحاكي عمليات حربية عند ما تسمّى الحدود الشمالية، أراد الحزب القول إنه قادر على الوصول بعيداً في الإستهدافات، كما أنه يتمتع بقدرةٍ إستخباراتية عالية على تحديد المواقع المقرّر استهدافها، وبقدرة تقنية على إرسال صواريخه إلى الأهداف وإصابتها. وفي سياق الكلام حول القدرة والأهداف، يحضر استهداف موقع “البغدادي” الحدودي بصاروخ مضاد للدروع.
وهذه المرة استخدم الحزب نوعاً دقيقاً من هذه الصواريخ (إستُخدم للمرة الثانية) قادر على بلوغ الهدف بطريقة الإستشعار، فتمكن من ضرب دبابة “ميركافا” تتخفّى في بطن الموقع. واستغل الحزب عرضه هذا، بنيّة وضع العدو في صورة صغيرة حول قدراته ومدى استعداداته. كذلك أراد القول للإسرائيلي إنه ما زال يمارس الحرب عند الحدود وفق “الأدبيات التقليدية لكنه مستعد للإرتقاء بها”.
بموازاة ذلك، كان العدو الإسرائيلي يتعاطى مع الميدان بطريقة مختلفة. فيفرّ إلى عمق الأراضي اللبنانية تحت عنوان “تنفيذ عمليات أمنية”، كما حصل في غارتي النبطية وجدرا الفاشلتين على مستوى تحقيق أهدافهما.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى تطور نوعي يُحاكي نموذج تعاطي الحزب مع هذه العمليات. فللمرة الثانية على التوالي ينجو الهدف من الإصابة. وإن حسمنا الجدل في الإستهداف الثاني أنه أخطأ هدفه تقنياً، فإن الإستهداف الأول في النبطية، أظهر في وقائعه المثبتة أن الحزب يملك قدرة على متابعة المُسيّرات المسلّحة في العمق ومحاولة تقفّي أثر أهدافها. لذلك فهم أن نجاة أفراد المركبة جاء بعد إبلاغهم أنهم مرصودون من قبل مسيّرة، ما أتاح للمركبة إجراء عملية مناورة انتهت بالتخفّي في ظل شجرة ضمن منطقة مكتظة نسبياً ما أتاح لركابها الخروج منها بفارق ثوانٍ عن ارتطام الصاروخ بالعربة.
ويبدو واضحاً أن إسرائيل لا قدرة لديها على مجاراة عمليات الحزب عند الحدود أو تجميدها أو إيقافها، لذلك تتعاطى ضمن مسألتين: توسيع نطاق الردّ عبر استهداف المدنيين، أو من خلال توسيع مروحة الإستهدافات الأمنية.
وتعتقد إسرائيل أنها بذلك تؤذي الحزب، وتعمل على محاولة ردعه وتحقق ضربات نوعية في جسده. كذلك تحاول الإيحاء بأنها صاحبة “يد عليا” في الميدان. وتريد استثمار هذا النوع من العمليات في إظهار تفوّقها أمام المستوطنين الذين باتوا “لا يقبضون” جيشهم شمالاً، ويتّهمون الحكومة بالخنوع والضعف أمام “حزب الله”.
إسرائيل أيضاً، وأمام الإكثار من الحديث عن المفاوضات، تستغل الفترة الفاصلة عن الوصول إلى حل لتنفيذ مجموعة كبيرة من الإستهدافات ذات البعد الأمني. كما أنها تعمل على الإستفادة من هذا الوضع في مسار إرساء نوع من الضغط تعتبر أنه قد يؤدي إلى “تهذيب” بعض طروحات الحزب. لكن إسرائيل تعلم أن المقاومة لا تعمل وفق هذه الطريقة، ولا تتأثر بالضغوطات. وأمام زيادة رقعة الإستهدافات وتوسّع النطاق الجغرافي وزيادة “التحرّش” وبلوغ شمال صيدا (في جدرا – تبعد عند بيروت مسافة تقدر بـ 30 كلم)، يصبح الحزب ملزماً توسيع استهدافاته ونوعيتها كما رقعتها الجغرافية، علماً أنه التزمَ طلية الفترة الماضية بإبقاء حدود الإستهدافات الأساسية ضمن نطاق 5 إلى 10 كلم في عمق الأراضي المحتلة.
أمام ذلك، قد يذهب الحزب صوب إدخال أنماط جديدة من الأسلحة. وللإشارة، فإن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الحزب لم يستهلك لغاية اليوم سوى 5% إلى 7% من ترسانته الصاروخية التي تضمّ مئات الآلاف من القطع. كما أنه لم يستخدم بعد الصواريخ الدقيقة التي سعت وتسعى إليها إسرائيل، باستثناء مرات قليلة استخدم فيها صواريخ دقيقة مضادة للدروع، وهو يحصر استخدماته في إطار الصواريخ القصيرة المدى.