العودة الطوعية للنازحين لا يُعوّل عليها… القرار سياسي و”العين” على البلديات
تحضّر المديرية العامة للأمن العام لإطلاق قافلة عودة طوعية للنازحين السوريين، في موعد يُحدّد لاحقاً، وبدأت مراكز الأمن العام الإقليمية باستقبال طلبات الراغبين في العودة إلى بلادهم، منذ أمس الأوّل. أعداد العائدين الخجولة عبر عمليات العودة الطوعية السابقة، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، لا «تبشّر بالخير»، لذلك لا يُعوَّل على هذه العملية لتحقيق عودة عدد كبير من النازحين.
في أيار الماضي، أعلن الامن العام استئناف تأمين العودة الطوعية للنازحين من لبنان إلى الأراضي السورية. وكانت قافلة العودة الطوعية الأخيرة نُظّمت في تشرين الثاني 2022، بعد توقُّف دام نحو 3 سنوات، بسبب إقفال الدولة السورية حدودها جرّاء وباء «كورونا». وبلغ عدد العائدين عبر العملية التي نُظّمت أواخر عام 2022، 701 نازح. وعلى رغم استمرار تسجيل الراغبين في العودة، تسجّل حتى مطلع شباط 2023، 100 نازح فقط. وكان المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أشار خلال المؤتمر الذي عقده في تشرين 2023 لإعلان استئناف عملية العودة الطوعية، إلى أنّ نحو 540 ألف نازح عادوا طوعاً إلى بلادهم منذ بدء الخطة عام 2017، فيما أنّ هناك مليونين و80 ألف سوري موجودون في لبنان.
عمليات العودة الطوعية بدأت بزخم، مع دخول أحزاب عدة على خط تنظيمها والمساعدة في تأمينها، وفي مقدّمها «حزب الله»، وذلك في ظلّ أوضاع مختلفة، إن في لبنان أو سوريا، عن الواقع الحالي. وإلى المحفزات التي تشجّع النازح السوري على البقاء في لبنان، يُساهم التدهور الاقتصادي في سوريا أيضاً في دفع النازح إلى عدم العودة. وعلى رغم أنّ لبنان ملتزم «العودة الطوعية» للنازحين، ترى جهات عدة، أنّه ليس جميع السوريين في لبنان تنطبق عليهم صفة النزوح، فضلاً عن أنّ لبنان ليس «بلد لجوء». وبالتالي، يجب الاستفادة من «الداتا» التي حصل عليها الأمن العام من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بالتوازي مع تكوين «داتا» خاصة ومسح شامل عبر البلديات والأجهزة العسكرية والأمنية لتصنيف السوريين الموجودين في لبنان، بين نازحين أمنيين وسياسيين ونازحين اقتصاديين ومقيمين شرعيين وأشخاص دخلوا بطرق غير شرعية ولا يحوزون الأوراق القانونية اللازمة. وهذا التصنيف، يسمح بإسقاط صفة النزوح عمّن لا يستوفي شروطها، وبالتالي إعادته إلى بلده، ما يضبط الوجود السوري ويحدّ من الفوضى والتفلّت في هذا الملف.
المسؤول عن ملف النازحين في «حزب الله» النائب السابق نوار الساحلي يعتبر أنّ «العودة الطوعية بداية جيدة»، آسفاً لأنّ «هناك مئات فقط يتسجّلون للعودة، لأنّ هناك محفزات للبقاء في لبنان، إذ إنّ الدول الغربية والمنظمات الدولية على رأسها الـUNHCR لا تريد عودة النازحين السوريين إلى بلادهم». ولا يزال موقف «الحزب» نفسه لضرورة التواصل مع سوريا، على رغم أنّ زيارة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب منذ أشهر إلى دمشق على رأس وفد، لم تحقّق أي نتيجة، في وقتٍ لا تزال «موجات» النزوح عبر المعابر غير الشرعية متواصلة حتى لو تراجعت وتيرتها عن الصيف الماضي، بحسب ما تقول مصادر أمنية لـ»نداء الوطن».
وبالتالي يُمكن لسوريا أن تبدأ بإثبات حسن نيتها عبر ضبط هذا النزوح ووقفه عبر الحدود من الجهة السورية. إلّا أنّ الساحلي يرى أنّ «تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف مبتور، فزيارة وزير الخارجية مهمة، لكن كان يجب أن تُستتبع بزيارة رئيس الحكومة لدمشق، للتنسيق والتوصُل إلى موقف موحد ضدّ الدول الغربية والمنظمات الدولية التي تعمل على إبقاء النازحين السوريين في لبنان، مستخدمةً سياسة العصا والجزرة معهم، حيث تقدّم لهم الحوافز المادية في لبنان وتقول لهم إنّ سوريا ليست آمنة، فيما أنّ الجميع يعلم أنّ أكثر من 80 في المئة من الأراضي السورية باتت آمنة وأنّ أحداً ممّن عادوا لم يجرِ توقيفه أو التعرُّض له، فيما يخضع مرتكبو الجرائم للمحاكمة في المحاكم العدلية».
ملف النزوح السوري كان في صدارة المشهد اللبناني قبل 7 تشرين الأول 2023، حيث برز طرح الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بفتح البحار أمام هجرة النازحين السوريين إلى أوروبا بالتوازي مع طرح حزب «القوات اللبنانية» إقفال مكاتب مفوضية اللاجئين في لبنان. لكن «طوفان الأقصى» جرف كلّ الطروحات وحوّل الاهتمامات إلى الحرب أو منع تمدّدها. وتعوّل «القوات» على التعاميم والتدابير الصادرة عن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، وعلى متابعة نواب «الجمهورية القوية» عمل البلديات على هذا المستوى وتطبيق هذه التعاميم.
إذ تعتبر «القوات» أنّه من خلال هذه التعاميم يُمكن ضبط النزوح السوري وترحيل من لا يملكون الأوراق والمستندات المطلوبة. وتشير إلى عمل نوابها بجدّية وفعالية خصوصاً أنّ هناك تقصيراً من بعض رؤساء البلديات، كما أعلن مولوي في مقابلة تلفزيونية أمس الأول، وكما سبق وأعلن عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب رازي الحاج. وتعتبر «القوات» أنّ وزير الداخلية بالتدابير التي اتخذها شكّل مساحة أمان على هذا المستوى، خصوصاً أنّ الحوار مع الخارج في هذا الملف الخطير بات عقيماً.
مولوي شدّد على كلمتين تختصران كلّ ملف النزوح ومعالجته: «خطة عودة» و»إطار زمني». لذلك إنّ «العين» الآن على «الداخلية» لمحاسبة البلديات المقصّرة وللتشدُّد في تطبيق هذه التعاميم، علماً أنّ المدخل إلى الحلّ يبقى بحكومة قوية تُمسك بهذا الملف ولا ترميه أو توزّعه على أجهزة، وتجرؤ على اتخاذ القرارات الصعبة ضمن القوانين وما تطلّبه حماية البلد.