التيار يطعن في التمديد لقائد الجيش
تقدّم التيار الوطني الحر، الأربعاء الماضي، أمام المجلس الدستوري بمراجعة طعن في قانون التمديد لقائد الجيش جوزيف عون لمدة سنة، بدءاً من يوم غد مع بلوغ قائد الجيش السنّ القانونية. المراجعة التي حملت تواقيع 10 من نواب التيار (جبران باسيل، غسان عطالله، سامر التوم، نقولا الصحناوي، جيمي جبور، شربل مارون، سيزار أبي خليل، ندى البستاني، جورج عطالله وسليم عون)، معلّلة بثمانية أسباب توجب إبطال القانون وتعليق مفاعيله فوراً عبر وقف تنفيذه.
المجلس الذي التأم الجمعة الماضي ردّ طلب وقف التنفيذ بالشكل، وعيّن مقرّراً لدرس المراجعة وتقديم اقتراحه إلى الأعضاء بقبول الطعن أو لا، ليبدأ جلساته خلال 15 يوماً، ويتخذ أخيراً قراره في شأن القانون الذي أقرّه مجلس النواب، وجاء بمادة واحدة تنص على التالي: «بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص آخر، يُمدّد سنّ تقاعد العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء، ولا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد».
النقطة الأهم التي تضمّنتها المراجعة والتي تمثل مخالفة جوهرية تكمن في «انتهاك القانون لقاعدة التجرد والعمومية وتفصيله على قياس أشخاص».
فالقانون، كما جاء في الطعن، خصّ شخصاً واحداً من كل من ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، حاجباً أحكامه عن جميع الضباط الآخرين لأيّ رتبة كانوا حتى ولو كانوا يحملون رتبة لواء، وعن رؤساء الأجهزة الأمنية الآخرين إذا لم يكونوا من العسكريين، وعن رؤساء الأجهزة الأمنية العسكريين في حال لم يحملوا رتبة عماد أو لواء، كما حجب أحكامه عن رؤساء الأجهزة الأمنية العسكريين مستقبلاً حتى ولو كانوا برتبة عماد أو لواء ما دام أنه جاء بصورة استثنائية، واشترط أن يكون المستفيد يمارس وظيفته في تاريخ صدور القانون المطعون فيه. ما يعني فعلياً أن القانون «استهدف ثلاثة أشخاص بالذات، وتحديداً قائد الجيش الذي تنطبق عليه وحده صفة العماد، ولم يكن ينقص سوى أن يسمّي هؤلاء الثلاثة بأسمائهم».
وجاءت عبارة «بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة» لتشمل الأشخاص الثلاثة الذين يستهدفهم، إذ إنّ اثنين منهم يعملان بالأصالة والثالث بالإنابة، ما يتعارض مع صفة التجرد والعمومية والشمولية المطلقة المفترض أن تتوافر في أي قانون، وبشكل خاص مع اجتهاد المجلس الدستوري بوجوب أن يكون القانون «واحداً لكل المواطنين، أو واحداً لجميع المنتمين منهم إلى أوضاع قانونية متشابهة، ولا يجوز اعتماد قانون مفصّل على قياس أشخاص محدّدين». وهذا ما يقود إلى مخالفة أخرى تتلخّص بضرب قاعدة المساواة والتمييز بين الضباط ورؤساء الأجهزة الأمنية وحاملي رتبة لواء، أي أبناء الفئة الواحدة.
كذلك، تجاوز مجلس النواب نطاق تشريع الضرورة في ظل الشغور الرئاسي وألغى دور رئيس الجمهورية في عملية التشريع وحقه في ردّ القوانين والطعن فيها، وهي صلاحية لصيقة بشخص الرئيس ولا تنتقل وكالة إلى مجلس الوزراء، ما «يؤلّف انتهاكاً صارخاً لقاعدة التوازن». وقد سبق للرئيس السابق ميشال عون أن لجأ في عام 2017 إلى المادة 59 من الدستور التي تتيح له تأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً، وليس له أن يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد، ما حال دون مناقشة البرلمان اقتراح قانون معجّل مكرّر للتمديد للبرلمان عينه. وليس ثمة من «ضرورة» أو «عجلة» للتشريع في ظل الشغور، بما أن تمديد الخدمة لقادة الأجهزة يبدأ ابتداءً من تاريخ بلوغهم السن القانونية بمواعيد متفاوتة بعضها لم يحن بعد، وكانت هناك «مدّة كافية لإنتاج أكثر من حل لاحتمال الشغور في قيادة الجيش ضمن القوانين القائمة من دون الحاجة إلى اللجوء إلى تمديد استثنائي وغير دستوري لسن التقاعد».
واستندت المراجعة إلى استشارة صادرة عن هيئة التشريع والاستشارات تحمل الرقم 581/2013 حرّمت فيها على البرلمان التشريعَ في ظل استقالة الحكومة، وسبق للمجلس الدستوري أن حرَّمَ التشريع في ظلّ حكومة تصريف أعمال كما في الحالة الراهنة. كما لفتت المراجعة إلى أن آلية الإصدار مخالفة للأصول كون القانون نال موافقة 19 وزيراً من أصل 24 على إصداره بعد أن تمَّ إقراره في البرلمان، وبما أنه «بمعزل عن عدم إمكانية تولّي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، إلّا أنّه في أيّ حال فإنّ إصدار المراسيم المتضمّنة قوانين يجب أن يتمّ بإجماع الوزراء». وذكّرت بأن حكومة فؤاد السنيورة التي كانَت قائمَة خلال فترة الشغور الرئاسيِّ وامتدت نحو 6 أشهر بين انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود (23-11-2007) وانتخابِ ميشال سليمان رئيساً للجمهوريةِ في 25 أيار 2008، اعتمدت طريقة توقيع جميع الوزراء على المراسيم بالوكالة عن رئيس الجمهورية باستثناء الوزراء المستقيلين يومها. أما حكومة تمام سلام فاعتمَدت التوافق في القرارات وفي توقيع المراسيم خلال الشغور الذي أعقب انتهاء ولاية سليمان. في الإطار نفسه، «ليس من صلاحية رئيس حكومة تصريف الأعمال توقيع المراسيم ومنها مرسوم إصدار القوانين وطلب نشرها، لأن هذا التصرُّف من قبل رئيس الحكومة الذي يتهيأ للخروج من الحكم، يُلزِم الحكومة الجديدة ورئيسها بالقانون الذي نُشِر، خصوصاً إذا انقضت مهلة الطعن بدستوريّته، في حال شاء رئيس الحكومة الجديد أن يمارس حقه الدستوري بالطعن».
وأشارت المراجعة إلى أن فرض إبقاء كل من قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية العسكريين حاملي رتبة لواء لمدة سنة يؤلّف تعييناً جديداً لهم في مراكزهم ولو بصورة مبطنة، ما يعني «تجاوزاً من جانب مجلس النواب لصلاحياته الدستورية المحدّدة في المادة 16 من الدستور وسواها، وانتهاكاً لصلاحيات السلطة الإجرائية المحدّدة في المادتين 17 و65 من الدستور وللصلاحيات الدستورية لكل من وزير الدفاع الوطني بالنسبة إلى قائد الجيش ووزير الداخلية والبلديات بالنسبة إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام للأمن العام».
في الخلاصة، طلب مقدّمو المراجعة من المجلس الدستوري اتخاذ القرار فوراً بقبول المراجعة شكلاً لورودها ضمن المهلة القانونية ولاستيفائها جميع الشروط الشكلية اللازمة، وإعلان عدم دستورية القانون المعجّل المكرّر الرقم 317، تاريخ 21 كانون الأول 2023 والمنشور في العدد 53 من الجريدة الرسمية، تاريخ 28/12/2023 بصورة كلية وإبطاله برمّته.