إلغاء حجوزات الفنادق والطائرات تعكس وضع موسم سياحة آخر السنة
كتب يوسف دياب في الشرق الاوسط يقول:
“أرخى الوضع الأمني المتوتر في جنوب لبنان بثقله على الداخل، وعمّق الأزمة الاقتصادية التي بدأت أواخر عام 2019، فحرب غزّة التي امتدت إلى الجنوب أطاحت بالموسم السياحي الذي يتميّز به لبنان خلال أعياد آخر السنة في شهر ديسمبر (كانون الأول) من كلّ عام، وبددت آمال المؤسسات السياحية والتجارية وكلّ اللبنانيين بأعياد كانت واعدة، وطيّرت الحجوزات في الفنادق والمنتجعات ورحلات الطائرات.
الأضرار المادية والاقتصادية لا تقتصر على المؤسسات التي تنتظر هذا الموسم عاماً بعد عام، بل على ميزانية الدولة التي تشهد انتعاشاً نسبياً في هذا الوقت كل سنة، إذ كشف رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان الوزير السابق محمد شقير، أن «شهر ديسمبر تشكّل إيراداته 32 بالمائة من الناتج المحلّي، خصوصاً أنه في شهر الأعياد (الميلاد ورأس السنة) يتبادل الناس كميات كبيرة من الهدايا». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المؤسسات السياحية راهنت على حركة كبيرة في هذا الموسم، لكن للأسف ألغيت حجوزات الفنادق بنسبة 80 بالمائة، إذ إن الزوار العرب والأجانب وحتى المغتربين اللبنانيين ألغوا رحلاتهم خوفاً من اندلاع الحرب ومحاصرتهم في لبنان». وأشار شقير إلى أنه «على أثر تأقلم المؤسسات السياحية مع الأزمة، وتنامي حركة الوافدين إلى لبنان سواء كانوا مغتربين أو أجانب، عمدت مؤسسات سياحية وتجارية إلى زيادة الرواتب والأجور لموظفيها، وزادت عملية التوظيف، وللأسف أتت الأزمة الجديدة الآن لتضاعف الأعباء».
أما اللبنانيون عموماً وسكان بيروت خصوصاً، فقد كانوا على موعد مع إعادة افتتاح الأسواق التجارية في وسط بيروت (سوليدير)، لكن ذلك تبخّر بعد المستجدات الأمنية التي طرأت في جنوب لبنان، والخوف من توسّعها إلى حرب شاملة، وأوضح الوزير شقير أن «افتتاح أسواق سوليدير الذي كان مقرراً خلال الأعياد (ديسمبر) أرجئ إلى شهر حزيران (يونيو) المقبل وفق اتفاق أبرم بين (سوليدير) وشركة (أزاديا) التي تمتلك عدداً كبيراً من الماركات العالمية». وكشف أن «شركة (سوليدير) أجّرت ما يزيد على 80 بالمائة من المحال التجارية في وسط بيروت بانتظار الافتتاح في موسم الصيف».
قطاع الفنادق. أكثر المتضررين من تبخّر الموسم الواعد، هو قطاع الفنادق التي تبددت آمال أصحابها في إنقاص الخسائر، وقال رئيس نقابة أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدء المناوشات العسكرية والتوتر على حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل، طلبت الدول العربية والأجنبية من مواطنيها مغادرة لبنان، كما أن بعض السفارات خفّضت تمثيلها الدبلوماسي». وأكد الأشقر أن «الحجوزات الخاصة بالأفراد ألغيت بنسبة تقارب الـ90 بالمائة، أما حجوزات الاجتماعات والمؤتمرات والمعارض فألغيت بشكل كلّي».
ويحتاج القطاع السياحي إلى وقت طويل لإعادة تعويم نفسه مجدداً، وأضاف الأشقر: «لدينا خبرة طويلة في إدارة الأزمات، ونكاد نكون ملوك هذه الأزمات، فإذا توقفت الحرب اليوم نحتاج إلى شهرين أو 3 أشهر بالحدّ الأدنى حتى تلغي الدول قرار حظر سفر مواطنيها إلى لبنان، كما نحتاج إلى 3 أشهر لإعادة البلد إلى الخريطة السياحية».
صحيح أن الفنادق التي أعيد افتتاحها في بيروت وجبل لبنان بعد الأزمة الاقتصادية لم تقفل أبوابها مجدداً، لكنّ نسبة إشغال الغرف انخفضت ما بين 80 و 90 بالمائة، وأعطى الأشقر مثالاً على أن «فندقاً كبيراً في بيروت لديه 462 غرفة، كلّها مقفلة الآن باستثناء 28 غرفة يشغلها نزلاء»، مشيراً إلى أن هذا الفندق يحتاج كلّ صباح إلى 10 آلاف دولار لشراء مادة المازوت لتوليد الكهرباء». وجزم الأشقر بأن «الفنادق لم تسرّح موظفيها الثابتين، وما زالت ملتزمة بدفع رواتبهم بـ«فريش دولار»، ورغم تكبدها الخسائر، فإنها خففت إلى حد كبير أعداد الأجراء الذين يعملون موسمياً».
وتتباين الأرقام حيال إقفال عدد من المطاعم في بيروت والمناطق الأخرى، وأفاد رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير بأن «إقفال المطاعم يكاد لا يذكر»، ولفت إلى أن «الإقبال على المطاعم تراجع إلى حدّ ما، وهذا مرتبط بانكفاء السياح عن المجيء إلى لبنان وتراجع القدرة الشرائية لدى الناس، لكن في بيروت سجّل في الأيام الماضية افتتاح عدد من المطاعم الجديدة، كانت على موعد مع موسم الأعياد». أما رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر فلفت إلى أن «قطاع المطاعم والمقاهي غير مدروس، وارتفاع عددها وتراجعه مرتبط بعدد زبائنها الذي يتفاوت بين فصول السنة». وقال: «في مدينة البترون وجوارها بلغ عدد المطاعم في العام الماضي 153، وقد ارتفع هذا العام إلى 215 مطعماً، غير أن هذه الزيادة قابلها تراجع بأعداد الزبائن بنسبة 35 بالمائة، وهذا أمر بديهي لأن الأشخاص الذين كانوا يتوزعون على 153 مطعماً باتوا يتوزعون على 215». وشدد الأشقر على أن «القطاع السياحي جرى توسيعه، بحيث أنشئت حوالي 200 مؤسسة سياحية في السنوات الثلاث الأخيرة، ولم نكن نتوقّع هذه الانتكاسة الجديدة».
ومن جهته، أشار الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، إلى أنه «لا توجد ظاهرة لافتة لإقفال المطاعم، إنما هناك تراجع في عملها بنسبة تقارب 50 بالمائة مع انتهاء موسم الاصطياف». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الأمني له تأثير على تراجع الحركة السياحية، لكن في نهاية الصيف تتراجع المبيعات في كثير من القطاعات والمؤسسات التجارية، فمحطات الوقود تنخفض مبيعاتها 25 بالمائة، ومحلات الألبسة والأحذية 90 بالمائة، الأدوات الكهربائية 70 بالمائة»، ولفت إلى أن «حركة الوافدين عبر المطار تتراجع خلال أكتوبر (تشرين الأول) 25 بالمائة بالمقارنة مع نمو الحركة خلال أشهر الصيف حتى سبتمبر(أيلول)، بينما ترتفع حركة المغادرين بنسبة 34 بالمائة».