الشرع: نريد علاقات مميزة مع لبنان… لكن هناك ما يشكل تهديدًا خطيرًا لأمننا

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”: منذ خلع نظام الأسد، اتسمت العلاقات بين لبنان وسوريا الجديدة بالحذر والشكوك المضمرة. ورغم الجهود التي بذلتها قوى إقليمية تدعم مسار التغيير في كلا البلدين، وفي طليعتها السعودية، إلا أن تطور العلاقات بين الجارين استمر بإيقاع بطيء.
وبعدما كان من المفترض أن تكون زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت بمثابة نقطة تحوّل تسهم في تعزيز الثقة، وتطوير قنوات التنسيق المؤسسية، فإن الطابع الحذر بقيَ مسيطرًا. بالنسبة لدمشق، فإنها تولي العلاقة مع لبنان أهمية كبرى، وتعده من الدوائر الأساسية في سياستها الخارجية النشطة والطموحة، لكنها تبدي تفهمًا لاستمرارية تأثير الإرث الكارثي للوصاية التي مارسها نظام الأسدين على القرار السيادي اللبناني وعلى مسار إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين الجارين.
ومع ذلك، برزت علامات استفهام سورية إزاء السلبية اللبنانية، وبعض العراقيل التي تبدو مفتعلة في عدد من القضايا التي تمس أمنها القومي. فتدخل بعض الوسطاء لترتيب زيارة لنائب رئيس الحكومة طارق متري إلى دمشق، التقى خلالها الرئيس السوري أحمد الشرع الذي تحدث معه بصراحة و “على بساط أحمدي”، فبيّن له وجود العديد من الفرص الاستراتيجية الثمينة التي يمكن أن يستثمرها لبنان ليصبح شريكًا جديًا في عوائدها. في طليعتها الربط الكهربائي، ولا سيما في ظل حصول اجتماع مؤخرًا في الأردن لهذه الغاية حضره ممثلون عن لبنان. بالإضافة إلى تطور المحادثات مع الجانب العراقي لإعادة ضخ النفط عبر خط الأنابيب القديم بعد إصلاحه، والذي يمكن أن يستفيد منه لبنان لكونه يصل إلى مصفاة البداوي شمالًا. ناهيكم عن أهمية تأهيل وتشغيل مطار الرئيس رينيه معوض في القليعات، والذي يمكن أن يشكل شريانًا للحركة التجارية وإعادة الإعمار في سوريا. بالتوازي مع وضع إعادة تأهيل وتشغيل “قطار الحجاز” موضع التنفيذ، والذي يربط خطوط التجارة بين دول الخليج وتركيا وأوروبا، في لحظة يشتد فيها الصراع الجيوسياسي على ممرات النقل، وإمكانية أن يكون لبنان شريكًا في هذا الممر للإفادة من الفرص الهائلة التي يختزنها.
وفي ظل تأكيد الرئيس السوري لنائب رئيس الحكومة أن سوريا تسعى لبناء علاقات مميزة مع لبنان على أساس من الندية وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وأن عملية البناء هذه بين جارين تربط بين شعبيهما أواصر علاقات متجذرة لا تحتاج وسطاء، فإنه في المقابل، تساءل عن سبب تساهل لبنان إزاء مسائل تشكل تهديدًا خطيرًا لأمن سوريا القومي ووحدة ترابها؟
إذ كشف الشرع لضيفه عن معلومات موثقة حول وجود أكثر من 1000 ضابط كانوا من نخبة الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد يقيمون في لبنان، يشترون عقارات، ويتمتعون بحرية حركة كاملة. وهؤلاء بمثابة صيد ثمين حيث يمكن لأي طرف توظيفهم للمشاغبة على عملية إعادة بناء النظام السياسي. والأمر نفسه انسحب على اجتماع متري مع وزيري الخارجية والعدل السوريين، حيث تساءل الأخير كيف يمكن أن ترسل فرنسا استنابات قضائية إلى بيروت بحق ضباط بارزين في نظام الأسد، بينهم اللواء علي مملوك، في حين يقول لبنان إنه لا يعرف عنهم شيئًا؟
والطرف المشار إليه على صعيد عملية التوظيف السلبي لضباط الفرقة الرابعة لا يقتصر على “حزب الله”، بل يشتمل وبشكل أساسي على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تنشط على الساحة اللبنانية مؤخرًا. وفي هذا الإطار، تشير المعلومات إلى اعتراض المسؤولين السوريين على استقبال بعض القوى السياسية اللبنانية مسؤولين من “قسد”، واعتبار ذلك تدخلًا في شؤون سوريا، في الوقت الذي لا تزال دمشق تمتنع عن تحديد مواعيد لشخصيات وقوى سياسية لبنانية واظبت على طلبها، لكونها ترفض التورط في المسائل الداخلية، وتصرّ على ضرورة صياغة علاقة بين الجارين عبر القنوات المؤسسية النظامية.
وأتت الأحداث التي حصلت في الأيام الماضية في حمص، وما أعقبها من تظاهرات، لتدعّم اعتراضات دمشق، في ظل المعلومات التي تشير إلى الدور الذي لعبته “قسد” عبر بعض ضباط النظام المخلوع، ورئيس المجلس الإسلامي العلوي في سوريا والمهجر، الشيخ غزال غزال، لإطلاق انتفاضة في الشارع العلوي، تسهم في تخفيف الضغوط الدولية عليها للمضيّ في عملية الاندماج ضمن الهياكل المؤسساتية الناشئة للنظام الجديد.
وإذا كانت “قسد” تبرع في لعب ورقة ضباط وقيادات النظام المخلوع بمهارة كلما اشتدت الضغوطات عليها، فإن الجديد هذه المرة هو تحويلها لبنان إلى منصة لإطلاق تحركات ضد دمشق، بما يحتم على صناع القرار مقاربة مسألة فلول نظام الأسد، ولا سيما النخبة التي كانت حاكمة، بطريقة أكثر جدية، لأن قدرة هؤلاء على لعب أدوار سلبية إزاء الأمن القومي السوري تفسح المجال أمام تدخلات تعيد إنتاج سيناريوات درامية خبرنا مآلاتها طويلًا.
