حقول الغاز الإسرائيلية في “عين العاصفة” إذا توسعت حرب غزة إلى لبنان
يتصاعد القلق الإسرائيلي من إمكانية أن يؤدي استمرار الحرب على غزة، واندلاع حرب في الشمال مع لبنان، إلى تفاقم أزمة الطاقة لدى اسرائيل، لا سيما أن اتساع الحرب إلى لبنان مع حزب الله، من شأنه أن يؤثر بشكل رئيسي على إمدادات الغاز في المنطقة، وأسعاره، وعلى الطموحات الإسرائيلية في مجال الطاقة، مع إمكانية استهداف حقول الغاز الإسرائيلية.
يعود التخوف لدى الجيش الإسرائيلي إلى أن قدرة حماس وحزب الله على استهداف منصات الغاز ستترك تأثيراتها السلبية على العقود الآجلة للتصدير، وقفز أسعاره إلى نسب غير مسبوقة، ما يعكس حالة عدم اليقين.
إلى جانب المخاوف الإسرائيلية من أن مثل هذه الحرب مع حزب الله يمكن أن تستهدف حقول الغاز الإسرائيلية أو يعمل على التسبب بوقف إنتاجها، بالإضافة إلى أن ذلك قد يتبعه قيام إيران وحلفائها بإغلاق المضائق البحرية في المنطقة مثل هرمز وباب المندب، اللذين يمثلان عنق الزجاجة الذي يمر عبره ما يقرب من ثلث تجارة النفط البحرية.
كما أن اندلاع مثل هذه الحرب من شأنه رفع أسعار الغاز الطبيعي، بسبب إعلان “إسرائيل” وقف إنتاج الغاز من بعض حقول الغاز الإسرائيلية ذات الإنتاج الكبير التي تقع ضمن مدى صواريخ حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
خاصة وأنه مع تفاقم القتال في غزة، طلب الجيش الإسرائيلي من شركة “شيفرون” الأمريكية وقف إنتاج الغاز في حقل “تمار” التي تزوده بنصف الغاز اللازم لها، ويستخدم كمصدر لتصديره إلى مصر والأردن.
خبراء الطاقة الإسرائيليون لا يخفون قلقهم من أنه في حالة توسعت الحرب في غزة، ووصولها الى لبنان، فإن ذلك سيسفر عن مشكلة حقيقية لسوق النفط والغاز العالمية، لأن الأسعار سترتفع، ولن تبقى المشكلة إقليمية، مع وجود لاعبين آخرين يشاركون في الحرب ويهددون حقول الغاز الإسرائيلية.
ما يعني أن تصل موجات الصدمة لأسواق الطاقة العالمية، وتؤدي لانقطاع خطوط الإمداد المركزية، ما سيؤدي لتفاقم الوضع، وتكبيد “إسرائيل” وحلفائها خسائر بشرية فادحة، لأن مثل هذه الحرب ستؤدي بجانب ارتفاع أسعار النفط، إلى تعطيل وسائل النقل، ودخول المضائق الحيوية إلى حيّز الصراع.
فور اندلاع الحرب على غزة، بدأت تتكشف تبعاتها السلبية على هذا القطاع الاقتصادي الحيوي لدى الاسرائيل، حيث علّقت شركة “شيفرون” الأمريكية صادراتها عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط تحت سطح البحر، ويمتد من عسقلان إلى مصر، ما كبّد الاسرائيل مئات ملايين الدولارات أسبوعياً، ورفع سعر برميل النفط عالمياً بخمس دولارات.
ويتوقع أن يؤدي ذلك لانخفاض صادرات الغاز الإسرائيلية إلى مصر والأردن، وزيادة الضغط على سوق الغاز العالمي، ما سيرفع أسعار الطاقة.
بالتالي، فإن الحرب التحذيرات الإسرائيلية أشارت إلى تعرض استثمارات الاسرائيل في الغاز للخطر، في حال اندلاع حزب مع حزب الله، ما يوجه ضربة قوية لطموحاته بأن يصبح مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى، حيث تغطي حقول الغاز الإسرائيلية قبالة سواحله 70% من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة.
في محاولة لمنع خسائر فادحة في قطاع الغاز والطاقة، منحت الحكومة الإسرائيلية لوزير الطاقة يسرائيل كاتس، صلاحيات بإعلان حالة الطوارئ في سوق الغاز الطبيعي، الأمر الذي من شأنه خفض صادرات الاسرائيل إلى مصر والأردن.
وفي حال وجود نقص في الغاز الطبيعي بالسوق، تقوم الحكومة بفسخ العقود الموقعة مع شركات الغاز في البلدين، وتخصيص كميات الغاز للسوق بطريقة مختلفة وغير عادية، الأمر الذي يعني أن من شأن حرب غزة أن تعطل مشاريع تطوير البنى التحتية لخطوط الغاز الإسرائيلية، وهناك خشية إسرائيلية أن تؤدي الحرب لإبطاء وتيرة الاستثمارات في حقول الغاز في المنطقة، وقد تضر بجهود الاسرائيل لجذب مزيد من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز.
لقد هوت الصادرات الإسرائيلية من الغاز الطبيعي بنسبة 70%، وقدرت الخسائر الاقتصادية لإغلاق حقول الغاز الإسرائيلية بـ800 مليون شيكل (201 مليون دولار) شهرياً، وانخفاض بنسبة 35% في إنتاج الغاز الأسبوعي، وفي حالة تصعيد الحرب فسيؤدي لمزيد من التخفيض في إنتاجه، وستزيد التكلفة الاقتصادية بشكل كبير لأنها ستتطلب من الاسرائيل ليس فقط خفض الصادرات، ولكن أيضا تحويل توليد الكهرباء المحلي إلى الفحم والديزل المكلفين بدلاً من الغاز.
كما أدى استمرار حرب غزة لتأخير أو إلغاء الاستثمارات الأجنبية في سوق الطاقة، ونتيجة لذلك، ستتأخر البنية التحتية للغاز في شواطئ عسقلان، ومحطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي بدلا من الفحم، وربط الألواح الشمسية بالشبكة، وهذه واحدة من نقاط الضعف التي ظهرت في اقتصاد الطاقة الإسرائيلي نتيجة الحرب.
لا تخفي الأوساط الاسرائيلية خشيتها من وقوع منصات الغاز في عرض البحر المتوسط في مرمى صواريخ حزب الله، الذي سيسعى لإلحاق الضرر بها في حال اندلاع الحرب، والتسبب بأضرار جسيمة للبنية التحتية والاقتصاد الإسرائيلي.
يأتي ذلك وسط قناعات إسرائيلية مفادها أن قطاع الطاقة سيكون عرضة لمزيد من الاضطرابات في حال اندلاع حرب مع حزب الله، لأن الغاز الطبيعي اليوم أصبح مسؤولاً عن 70% من إنتاج الكهرباء الإسرائيلية.
في ضوء ما توفره احتياطيات الغاز من موارد مالية هائلة للدولة، فإن حزب الله سيرى في استهدافها مسألة تحتل أولوية متقدمة لديه في المواجهة القادمة.
ورصد الجيش الاسرائيلي خلال شهور الحرب الأخيرة مع غزة إرسال حزب الله لطائرات بدون طيار في البحر المتوسط، هدفها منصة الغاز الطبيعي في كاريش، حيث تقع المنصة على بعد 90 كيلومتراً قبالة الساحل الإسرائيلي، وتعدّ اليوم موردًا مهمًا للاقتصاد الإسرائيلي، وجزءاً كبيراً من دخل الدولة، التي أدركت المخاطر التي ستحيط بالمنصة في حال اندلاع حرب مع حزب الله.
مع أن وقوع حقول الغاز الإسرائيلية في مرمى صواريخ المقاومة من غزة ولبنان دفع جيش الاسرائيل لإنفاق ملايين الدولارات لتوفير حلول أمنية لحمايتها، وتوفير أنظمة متطورة لهذا الغرض، من خلال مجموعة واسعة من أجهزة الاستشعار، والأنظمة الكهروضوئية والرادارات ومراكز القيادة والتحكم، وما تعرف بـ”بدلة استشعار مخصصة” يتم تركيبها على قوارب التدخل السريع، وهذا الحلّ الأمني سيمكّن من اكتشاف وتحديد التهديدات فوق سطح البحر وتحته، لمساعدة الطواقم الأمنية من الاستجابة بشكل فعال لأي تهديدات محتملة.
كما أن دخول التهديدات إلى حيّز التنفيذ يعني أضراراً خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي بالغة الأهمية، على رأسها ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في إسرائيل، بالتالي ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والنقل، فضلاً عن حدوث اضطرابات في الصناعة، والتأثير على الناتج المحلي الإجمالي، بجانب إمكانية تسرّب الغاز نتيجة الأضرار المحتملة ما سيؤدي لتلوّث بيئي خطير، وكل ذلك سيؤدي لمزيد من تقويض الأمن القومي الإسرائيلي.
واستنفر سلاح البحرية الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة لتشديد إجراءاته الأمنية حول منصات الغاز تحسّباً من تهديدات حزب الله ضد حقول الغاز الإسرائيلية، خاصة وأن الأغلبية المطلقة من الواردات إلى “إسرائيل” تتم عن طريق البحر.
في حين أن غالبية الغاز الذي يلبي احتياجات الاسرائيل من الطاقة تأتي من حقلي ليفياثان وتمار.
ورغم ما قام الاسرائيل به خلال السنوات الماضية من بناء قدرات دفاعية جيدة للتعامل مع مجموعة واسعة من التهديدات التي تواجه مصالحه في البحر، بعضها معروف، وجزء كبير منها سرّي، فقد عقدت الهيئات الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية تقييمات متواصلة لوضع منصات الغاز في ضوء التهديدات المحتملة من حماس وحزب الله.
وألقت التطورات الإقليمية المتلاحقة في المنطقة على سوق الغاز الاسرائيلي، لاسيما تلك المتأثرة بالحرب على غزة، وما تبعها من تدخلات إقليمية على عدة جبهات، ما أسفر عن أضرار لحقت به، رغم مليارات الشواقل التي استثمرتها “إسرائيل” في أنظمة الدفاع لمنصات الغاز.
ويضع كل ذلك صعوبات أمام الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، وهروب رأس المال الأجنبي، وإثارة مخاوف الشركات الدولية بشأن قدرة “إسرائيل” على الاستمرار في الاستثمار في سوق الغاز والطاقة والتهديدات المرتبطة بحقول الغاز الإسرائيلية.
يُعدّ الغاز الطبيعي أحد مصادر الطاقة الرئيسية التي تستخدمها “إسرائيل”.
وبدأ استخدامه بشكل كبير بعد أول اكتشاف كبير لحقول الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط عام 1999. وفي مارس/آذار 2013، بدأ إنتاجه من خزان “تمار”، ليدخل الاقتصاد الإسرائيلي حقبة جديدة، من خلال الفوائد التي عادت عليه.
وبين عامي 2013-2021، وفّر أكثر من 116 مليار شيكل، و7.5 مليون شيكل في الساعة من تكاليف الطاقة وحدها، وبلغ إنتاجه ذروة جديدة من خلال قفزة كبيرة تزيد عن 12% في استهلاكه، وزيادة صادراته بنسبة 25%.
وفقاً للأرقام الاقتصادية التي نشرها مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، فإنه اعتبارًا من يوليو/يوليو 2023، بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في “إسرائيل” 1087 مليار متر مكعب، تتركز في عدّة خزانات نشطة للغاز الطبيعي موزعة في المياه الإقليمية التي تسيطر عليها “إسرائيل”، ومع حدودها مع لبنان وقبرص وغزة.
والاحتياطات بحسب حقول الغاز الإسرائيلية هي:
– حقل تمار: باحتياطيات مؤكدة 293 مليار متر مكعب.
– حقل ليفياثان: باحتياطيات مؤكدة 619 مليار متر مكعب.
– حقل كاريش- تانين: باحتياطيات مؤكدة 102 مليار متر مكعب.
– حقل كاتلان: في مايو 2023، تم منح الإذن لخزان غاز كاتلان باحتياطيات مؤكدة 68 مليار متر مكعب.
– خزان مارين على سواحل قطاع غزة: باحتياطيات تقديرية 40 مليار متر مكعب.
– خزان أفروديت الواقع بين قبرص وإسرائيل، وخزان صيدا بين لبنان و”إسرائيل”.
بمزيد من التفصيل عن حقول الغاز الإسرائيلية، أنتج خزان “ليفياثان” الأكبر في 11.1 مليار متر مكعب خلال عام 2023، وأنتج خزان “تمار” 9.1 مليار متر مكعب.
وأنتج خزان “كاريش-تنين” 4.6 مليار متر مكعب، وكلها حققت إيرادات غير مسبوقة للاقتصاد الإسرائيلي.
ويرى الاسرائيل الإسرائيلي أن احتياطياته من حقول الغاز الإسرائيلية يمنحه مزايا استراتيجية في المجالين الاقتصادي والأمني، وأنه بات من المصادر المحلية التي تلبّي كل احتياجاته خلال العشرات من السنين القادمة.
وينظر إليه أيضاً، بأن استمرار وجود الغاز لديه،بعد تنقيبه في مساحة صغيرة جداً من سطح البحر، فإن فرصة العثور على خزانات إضافية عالية، وهو ما تحقق بالفعل في الأعوام الأخيرة، مع أن استخدامه الرئيسي للغاز يكمن بتشغيل شركة الكهرباء والشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل شركة بيزان، ليكون الغاز بديلاً للوقود والديزل.
ظهرت الآثار الجانبية لأضرار قطاع الغاز في مصر، خاصة عقب توقف شركة شيفرون عن تصدير الغاز الطبيعي من “إسرائيل” إليها.
نتيجة لذلك، انخفضت الشحنات إلى مصر بنسبة 20%، ما قد يعني زيادة الضغط السياسي عليها، وهو ما تمثل في أزمة انقطاع الكهرباء فيها في الأيام والأسابيع الأخيرة.
بالتالي، فإن مصر قد تكون أمام مزيد من المخاطر السياسية التي لا تحتملها، في حال اندلاع حرب بين حزب الله و”إسرائيل”، ما سيترك أثره على الاسرائيل المعني بإبقاء التعاون مع القاهرة فيما يتعلق بالحرب على غزة.