الأزمة تتفاقم بين عون والحزب: العودة إلى التصعيد

الإهتزاز والتصعيد يحكمان العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”. وبعد خطابي رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، وبينهما مواقف النائب جبران باسيل المتكرّرة، أضحت العلاقة في مكان آخر. بات ميزانها محكوماً بالمواقف المتبادلة التي تُبنى على تقديرٍ شبه يومي. لا شيء ثابتاًسوى نيّة الطرفين الحفاظ على حدٍ أدنى من التواصل.

كان رئيس الجمهورية السابق يُعبِّر عن موقفه المتعارض مع الحرب وانخراط الحزب فيها أمام جميع من يلتقي بهم تقريباً. عندما يُسأل عن موقفه وأسبابه يجاوب بصراحة: نحن في عام 2024 ولسنا في عام 2006.
مرمى كلام عون، إشارة إلى ظروفٍ اختلفت على المستويين الداخلي والخارجي. أمّا مبعث الموقف شعور متولِّد ومتعاظم لدى الرئيس السابق، مبنيّ على ما يسجله خلال لقاءاته مع المسؤولين الأجانب. يعبر هؤلاء صراحةً عن آراء متشددة إزاء الحرب، ملاحظاً وجود نوايا تجاه الحزب. أخافت هذه المواقف عون، وحاول مصارحة “حزب الله” بها ومشاركته إياها، كما رغب مصارحته مخاوفه والتعبير عن شكوكه من دون جدوى.

أكثر من كان يُزعج عون وباسيل في آنٍ معاً، ما يسميانه “فتح حزب الله المنطقة الحدودية أمام التنظيمات الفلسطينية”. كلٌ من عون وباسيل يخشيان من وجود حركة “حماس” تحديداً عند الحدود. بصرف النظر من وجود خشية دائمة لديهما من استعادة مشهدية “فتح لاند”، التخوف الأساسي نابع من استغلال إسرائيل هذه المسألة لخلق مشكلة دائمة مع “حزب الله” تعطيها مبرراً دائماً لاستهداف الجنوب.
لذا، يرفض كلٌ من عون وصهره أن يُفتح الباب أمام “لاند” جديد. التعبير مشتق عن مواقف مسيحيين من أبناء القرى الحدودية، أبدوا تخوفهم من هذه الظاهرة، ولو أنها “مضبوطة” تحت سقف الحزب.

الحزب نفسه، وخلال زيارة وفده إلى عون أخيراً برئاسة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الحاج محمد رعد، حاول تطمين “الجنرال” إزاء ما يجري عند الحدود وكل ما يُقال بموازاته، إلى جانب إظهار أن سقف المعركة مضبوط. وعبّر الوفد في شرحٍ دقيق ومسهب قدّمه رعد، عن الأسباب التي أملت على الحزب الإنخراط في الجبهة ووضعيته الحالية، كما قدم شرحاً دقيقاً حول الإستراتيجية التي يتّبعها الحزب. في المقابل، كان عون متفهماً، وفي نفس الوقت واضحاً في التعبير عن مخاوفه مرة أخرى، سواء لجهة التحركات الفلسطينية ومدى اتخاذها ذرائع من جانب العدو، أو طبيعة حضور الحزب ضمن الجبهة، وإنه متخوّف عليه “لأن ما يحضّر مختلف عما عهدناه”.

عملياً، كان يفترض بعد الزيارة أن يُستعاد وهج العلاقة بين الجانبين على الأقل ضمن المسألة المرتبطة بالوضع الحالي. عون الذي بدا متفهماً لكثير من اعتبارات الحزب التي وضعت أمامه من خلال شرحٍ النائب رعد، محتكماً إلى البراهين والوقائع، ما برح عند رأيه بضرورة أن يوجد الحزب حلاً سريعاً لاشتراكه في الجبهة. الحزب عوّل على أن تكون جلسة “المصارحة” تلك مبعثاً لأسلوب جديد في مقاربة المواقف زمن الحرب. لم يكن الحزب بعيداً عن الصراحة حين أشار إلى عون بأنه “منزعج” من التطرق إلى الخلافات و “نبش” العلاقة خلال الحرب وفي أثنائها.

كان الحزب يعوّل على أداء مختلف إذاً. فُهم من عون أنه سيمضي إلى خفض السقوف دونما أن يبتعد عن الخطاب المتعارض مع الحرب، على أن يبقى مضبوطاً ضمن سقف معين. ظن أن ذلك سينسحب على مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. ما فُهم أن باسيل في وارد “الروتشة” فقط، مبتعداً عمّا يزعج الحزب في الإطار العسكري، معيداً التشديد على ضرورة العلاقة دون أن يغادر سقف الموقف المعارض للحرب، أو سيل المواقف السلبية الأخرى من رئاسة الجمهورية إلى مسألة الحكومة.

فعلياً هذا ما تمّ تسجيله خلال إطلالتين لباسيل، شدّد فيهما على التفاهم مع الحزب وأيضاً واشنطن، ولكن “مش على حساب الشراكة”. وشدد على أن وثيقة التفاهم لم تسقط وما زالت صالحة وتحتاج إلى تطوير، والتيار لم يخرج من العلاقة مع الحزب. كلام يكفي لإراحة “حزب الله”.
ما لا يريح “الجنرال” أو صهره ما استجدّ، لا سيّما عقب ظهور السيد نصرالله وتطرقه إلى مسألة استمرار جبهة المساندة “أياً تكن التبعات” ومروره عند نقطة “النقاشات والمجادلات”، مقدماً توصيفاً “طبيعياً” لها، إذ “لا نستغرب هذا الموضوع. نتعاطى معه على أنه شيئ طبيعي”.

ما فهم أنها مواقف أتت رداً على أخرى أدلى بها الرئيس السابق والحليف. على الأقل شيئاً منها يطاله. إفترض ذلك أنه تسبب بانزعاج لدى الرابية. يفترض أيضاً أن يمضي الرئيس السابق إزاءه، إلى نفس المواقف ويكررها ويعيد التذكير بها، مجدداً التعبير عما تحدث عنه سابقاً. في ما تقدم خروج عن قاعدة أُرسيت زمن زيارة رعد والوفد المرافق، حول أن عون سيعيد مقاربته المواقف السابقة ويهدىء من وتيرتها من دون الخروج عن الإعتراض على الحرب.
ما يُفهم أيضاً مضي الرئيس تجاه الأسلوب السابق. تصبح هنا مسألة “الروتشة” أو الإكتفاء بما سبق وقيل ساقطة. كلما مضى الحزب إلى موقف معين حيال “الإسناد الجبهوي” مضى الرئيس ومعه التيار إلى مواقف متجددة. ما ينسحب على عون ينسحب على صهره وبالعكس.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى