ليلة الانقلاب على “شعبة المعلومات”

لم يتوانَ مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في “حَربِه” الصامتة ضد “شعبة المعلومات” عن إصدار “برقية انتقام” نَسَفَ من خلالها نواة أساسية من خلية عمل فرع التحقيق في الشعبة بدءًا من رئيسه العميد دوري نكد وأربعة ضبّاط، وجميعهم متميّزين بأدائهم داخل الفرع، و”تشكيلهم” بخلفية انتقامية إلى مواقع خارج الشعبة بهدف تأديبهم.

أكثر من ذلك يهدّد عثمان بتشكيلات إضافية لاستكمال “الانقلاب” على رئيس “شعبة المعلومات” العميد خالد حمود!.
‎”فرع المعلومات” الذي حورب سياسياً على عهد رئيسه السابق العميد وسام الحسن بسبب انخراطه بتنفيذ أجندة سياسية يَحصد اليوم احتضاناً وطنياً لابتعاده عن السياسة والتعاطي بحيادية وحرفية وإنتاجية عالية جدا في ملفات الإرهاب والعمالة والجرائم الجنائية وفتحه لملفات الفساد من دون سقوف ولا اعتبارات فئوية أو سياسية أو شخصية.

لكن هذا الواقع تماماً أزعج كثيرين ممّن دجّنوا هذه قادة الأجهزة، من هؤلاء الرئيس سعد الحريري. خَرَج الأخير من منفاه في الإمارات ليقول كلمة واحدة: “أعيدوا لي شعبة المعلومات” فقط لشعوره بأنّ رئيس “الشعبة” خالد حمود لم يستجب للطلبات السياسية أو غير القانونية من الحريري وغيره من السياسيين على اختلاف مواقعهم طالما أنها تتعارض مع مصلحة الشعبة ومسار التحقيقات وشفافية الملفات.

أزعج هذا الواقع أكثر اللواء عثمان, أخذ الغطاء من مرافق الحريري “أبو كريم”، وقرّر تأديب الشعبة ورئيسها الذي لم يعرف يوماً طريقه إلى مآدب السياسيين وأصحاب القرار، مُفضّلاً وَضعَ رأسه برأس “شغل الشعبة” منذ تعيينه رئيساً لها عام 2017 وتطوير العمل الأمني فيها، تقنياً وكادراً بشرياً وعملاً أمنياً على الأرض، فاستحق تقدير الخارج والداخل وتنويهاً بالحرفية من الخصوم والأصدقاء على حدّ سواء.

انقلاب على الشعبة
هي عملية انقلاب حقيقية نفّذها عثمان، بتغطية من الحريري وتخاذل من وزير الداخلية بسام المولوي وشماتة من داخل تيار المستقبل كمن “يَفعَلها في سروالِه”!
لقد توجت التشكيلات التي اصدرها عثمان ليل الخميس (أمس) بوضع 17 عميداً بتصرّف الديوان-مكتب المدير العام من أجل تعيين العميد سليم عبده مساعداً أول لرئيس وحدة الإدارة المركزية (موقع شيعي ضمن مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي)، وذلك تمهيداً لتعيينه بالأصالة حين تقرّ التشكيلات العسكرية في مجلس الوزراء، بغض النظر عن كفاءة العميد عبده.

لكن عثمان الذي أقفل خطّه بعد إصداره برقية فصل الضبّاط وعمّم أجواءً داخل المديرية بأنّه خارج البلاد، فيما توجّه فعلياً إلى بلدته الزعرورية لقضاء الويك أند، لم يتجرأ على التعاطي مع موقع رئاسة الأركان (موقع أرثوذكسي داخل مجلس القيادة) التي يشغلها العميد حمود حالياً بالوكالة بنفس طريقة تعاطيه مع وحدة الإدارة المركزية.

إذ أنّ تعيين مدير مكتبه العميد جهاد أبو مراد أو العميد ربيع مجاعص في رئاسة الأركان يقتضي منه فَصِل حمود من الشعبة كون الأخير أعلى رتبة منهما. وهي خطوة “يَحلم” بها عثمان لكنه غير قادر على تنفيذها وإلا لفعلها رافعاً شارة الانتصار على الجهاز الأمني الذي يكاد يكون العلامة المضيئة الوحيدة في سجلّ “تيار المستقبل” منذ نشأته!

توقيتٌ خبيث
اختار عثمان توقيتاً خبيثاً لإصدار برقيات الفصل التي راعت مطالب جهات سياسية، إذ أنّها تزامنت مع إخلاء سبيل رئيس لجنة المعادلات في وزارة التربية أمل شعبان المحسوبة على “تيار المستقبل”، والتي أوقفها القضاء على خلفية ملف فساد وزارة التربية الذي كانت تحقّق فيه “شعبة المعلومات”، ثم طلب عثمان منها إغلاق الملف مراعاة للحساسيات السياسية و”الخواطر” ما شكّل تعدّياً صريح على صلاحيات القضاء المخوّل وحده بذلك.
ورغم شبهات الفساد التي تلاحق عثمان في أكثر من ملف، ورغم تدخّلاته المُتكرّرة لإيقاف التحقيقات بملفات النافعة و”العقارية” ووزارة التربية، استجاب مجلس النواب لطلب الكتلة السنية الأكبر ومدّد له عاماً إضافياً.

كان الأمر كافياً ليتجرّأ المدير العام على كسر القاعدة السائدة منذ نشأة “المعلومات”، حين كانت لا تزال فرعاً، بحصر التعيينات والمناقلات داخلها برئيس الفرع فقط بالنظر إلى الطابع الأمني الحسّاس للتشكيلات ولخصوصيّة الجهاز الامني الذي حرص حمود منذ تعيينه عام 2017 على انتقاء ضباط فيه من أصحاب القدرات العالية حفاظاً على مستواه الأمني رافضاً أي تدخلات سياسية بهذا الملف.
بدا “النَفَس” الانتقامي واضحاً من خلال تطيير رئيس فرع التحقيق في “الشعبة” العميد دوري نكد وتعيينه مساعداً أول لقائد منطقة لبنان الجنوبي الاقليمية (موقع سنّي ومقرّه في صيدا)،مع العلم أنّه عين مكانه العقيد حسّان سلّاك (ضابط من داخل الشعبة)، كما من خلال “تشكيل” ضابطين من فرع التحقيق بـ “الشعبة” هما النقيب انطوني سعيد والنقيب محمود ضاهر إلى فوج السيّار المركزي، فيما فَصَل الرائد محمد حيدر احمد والنقيب كريستيان بو نافع الى فوج التدخل السريع.

والفضيحة أنّ القاسم المشترك بين هؤلاء الضبّاط الأربعة عَمَلهم، بشكل أساسي، من ضمن فريق عمل أوسع على ملفات النافعة والعقارية والتربية، إضافة إلى الإطاحة برئيسهم العميد نكد، ما يعني قصم ظهر الشعبة المؤلّفة من عدّة فروع تتكامل في أدائها.
كما تضمّنت برقية الفصل تعيين قائد منطقة البقاع الإقليمية العميد ربيع مجاعص مساعداً أول لقائد الدرك الاقليمي. علماً أنّه وبعد إحالة قائد الدرك العميد مروان سليلاتي الى التقاعد في أيلول 2023، وفي ظل عدم تعيين بديل له، انتقلت قيادة الدرك (موقع ماروني) الى العميد مجاعص (ارثوذكسي) بوصفه الضابط الأعلى رتبة في وحدة الدرك. وتأتي برقية الفصل لتثبّته في موقعه إلى حين تعيين قائد درك بالأصالة، فيما كان النائب باسيل يَضغط لتعيين ضابط ماروني في هذا الموقع.

وشملت برقية الفصل تعيين المقدّم أيمن مشموشي رئيساً لمكتب مكافحة المخدرات المركزي. وكان وزير الداخلية أصدر قراراً في آب الماضي جرّد من خلاله مشموشي الذي كان عيّنه مديراً لمكتبه من كل الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتّع بها لناحية تحديد مواعيد الوزير والمشاركة الدائمة في كافة اجتماعاته والإشراف على مكتب إصدار بطاقات الزجاج العازل (فوميه) ومكتب التدقيق في أرقام اللوحات الأمنية الممنوحة للشخصيات. وأسماء عدة ضبّاط في البرقية تدلّل على المنحى “التنفيعي” فيها والإدارة بعقلية “الدكانة” وتصفية الحسابات التي قرّر عثمان تكريسها تدشيناً لمرحلة التمديد له وفي المدّة الفاصلة عن إحالته إلى التقاعد بعد عام وأربعة أشهر.

المصدر : ليبانون ديبايت

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى