ماذا يجري في مصرف لبنان؟
زياد ناصرالدين – كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية. على مدى 30 عاماً، لم نشهد تطبيق القانون في مصرف لبنان، بل ما كان يجري هو تطبيق للاتفاقيات السياسية والصفقات والسمسرات، تَرافقَ مع استخفاف تام بالقانون وأموال المودعين التي بدلاً من حمايتها تمّ التفريط بها بنحوٍ فاضح. وقد أرخَت السياسة النقدية الوهمية التي غطّت فشل حكومات وساسة بثقلها على الاقتصاد، إذ بلغت كلفة الفوائد نحو 93 مليار دولار تقع على كاهل الدولة والمواطنين، وتمّ تكبير ناتج محلي وهمي يعتمد سياسة الاستيراد وضرب الانتاج الوطني وإخراج الأموال من البلاد، عوضاً عن خلق دورة إنتاجية داخلية مفيدة تؤمّن فرص عمل وتجذب الاستثمارات بطريقة قانونية، ما يطرح على الأقل علامات استفهام عن سبب اعتماد المركزي لهذه السياسة النقدية لسنوات طويلة وعدم سعيه لتغيير هذا النمط.
منذ أربعة أشهر تبدّل المشهد، وبدأ مصرف لبنان بتطبيق قانون النقد والتسليف الذي يحتاج بالفعل للتطوير والتعديل، لكن رغم ذلك تمّ رصد النتائج الآتية:
-1 من المتوقع أن يُعلن المركزي قريباً عن زيادة الاحتياطي بالعملات الأجنبية، من دون أن يقابل هذه الزيادة أي ارتفاع في سعر صرف الليرة لأشهر، ووسط غياب تام لحالة القلق والمضاربات التي شهدها لبنان منذ تشرين الأول 2019.
-2 الكتلة النقدية في السوق انخفضت إلى 53 ألف مليار ليرة بعدما وصلت إلى 93 ألف مليار، من دون أن يتأثر سعر الصرف، ما يشير إلى أن لا حاجة للسوق إلى الـ 42 ألف مليار ليرة التي طُرحت للمضاربة فقط.
-3 إصلاح التعميم الرقم 185 وقريباً التعميم الرقم 151، وإيقاف الحد الأدنى من «الهيركات» على الحسابات المصرفية للمواطنين، والمساواة بين الحسابات بما يخالف خديعة الحسابات الجديدة والقديمة التي اعتمدتها المصارف، وذلك من خلال تطبيق قانون النقد والتسليف بشكل عادل بين المودعين.
-4 البدء بالدفع لشركات الخدمات بالدولار من دون التأثير على سعر صرف الليرة وهز الأسواق.
-5 عدم استغلال الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان لطبع مزيد من الليرة وشراء الدولار لتضخيم الكتلة النقدية وتحويل المجتمع اللبناني إلى كتل من المضاربين.
-6 وضع المصارف أمام مسؤلياتها للعودة إلى الأسواق عام 2024 والعمل من خلال تطبيق القوانين لعودة القروض واستخدام جزء من الأموال الموجودة في الخارج، ما يعتبر خطوة أولى على طريق الهيكلة الصحيحة خارج إطار المسارات التي كانت معتمدة.
-7 التوقّف عن تمويل الدولة والحكومة والضغط لإقرار موازنة بهدف إعادة النظام العام للبلاد، بما معناه تقليع أشواكهم بأيديهم.
-8 تأمين رواتب لموظفي القطاع العام بالدولار من دون شوشرة وترتيبات الصرافين ومديري المصارف والاستفادة الخاصة.
-9 إخضاع مصرف لبنان لجردة قانونية ومحاسبة بشفافية كبيرة، وتحديد موجودات الذهب والاحتياطات النقدية بالعملة الأجنبية.
-10 التخطيط لزيادة مخزون الذهب والعمل المستمر على إعادة الثقة، والمطالبة الدائمة بـ»كابيتال كونترول» لمدة سنتين فقط.
-11 مطالبة الدولة والحكومة بخطة اقتصادية تتلاءم مع الواقع النقدي وإبعاد السياسة وتجاذباتها عن المصرف المركزي.
-12 العمل مع الوكالات العالمية من خلال قانون النقد والتسليف وما يقتضيه لضبط السوق النقدي وإبعاد شبهة وضع لبنان على لائحة تبييض الأموال.
بناء على ما سبق، إنّ نتائج تطبيق القانون بعيداً عن الحسابات الشخصية والرئاسية تُظهر لنا أهمية أن يتحوّل لبنان دولة مدنية حيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، بعيداً عن طائفته وانتمائه الديني والمحاصصة.
نعم، إنّ تركة مصرف لبنان منذ العام 92 كانت ثقيلة جداً، لكن التصحيح عبر القانون هو الحلّ، وخطوة الألف ميل الإصلاحية بدأت. وعلى رغم من أنّ السياسة هي مرض الاقتصاد في لبنان إلّا أنّ مناعة القانون العادل يجب أن تبقى الكلمة العليا، والاستمرار في إصلاح المصرف المركزي هو الطريق الأساسي الى النهضة مجدداً وإعادة الثقة وحقوق المودعين.